قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم الوتر.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه: هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة: [كم الوتر؟] يعني: كم مقداره؟ ومعلوم أن مقداره أقله ركعة واحدة، لو أن إنساناً صلى العشاء وأتى بسنة العشاء ركعتين، ثم أتى بواحدة فهذا أقله، ولكن كونه يزيد ويأتي بأكثر فهذا هو الذي ينبغي، ولكن أقله ركعة، ويمكن أن يكون ثلاثاً، أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو أكثر من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينقص عن سبع ولا يزيد عن ثلاث عشرة ركعة، وأكثر ما جاء عنه إحدى عشرة صلى الله عليه وسلم.
والوتر يطلق كما أسلفت على الركعة الواحدة إذا أتي بها وحدها أو أتي بها بعد ركعات قبلها، كما يطلق على الثلاث لخروجها مع بعض ولكن ليس كالمغرب، وإنما هي مسرودة سرداً دون تشهد أوسط، أو كذلك سبعاً أو تسعاً أو خمساً كل ذلك يقال له وتر.
أورد فيه أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل)، يعني: كون الإنسان يصلي ما شاء من الليل ثنتين ثنتين، ثم بعد ذلك يأتي بركعة في آخر الليل، سواء كانت متصلة بهذه الركعات أو أنه أخرها، فهذا هو الوتر، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (ركعة توتر له ما مضى)؛ لأن ما مضى شفع، فإذا جاءت هذه الركعة جعلت ما تقدم من الركعات وتراً.
والحديث كما هو واضح يدل على أن الوتر هو في حق الجميع، أما قوله: (يا أهل القرآن) فهو يدل مع هذا الحديث على أن الكل يستحب له أن يوتر؛ لأن هذا أعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، (فقال بأصبعيه: هكذا ثنتين ثنتين، والوتر ركعة من آخر الليل).
قوله: (من آخر الليل) كما هو معلوم إذا كان الإنسان يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل, وأما إذا كان لا يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فليوتر قبل أن ينام، كما جاءت بذلك الوصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث أبي الدرداء الذي أخرجه مسلم: (وأن أوتر قبل أن أنام)، فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه سيقوم آخر الليل فليؤخر الوتر إلى آخر الليل، وإن كان لا يعلم فإنه يوتر في أول الليل، ولا يتركه بحيث يطل عليه الفجر وهو لم يوتر، لكنه إن أوتر في أول الليل وهو لم يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل، ثم قام، فله أن يصلي ما شاء، لكن لا يوتر مرة ثانية؛ لأن الوتر لا يؤتى به مرتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة).