قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا أبان عن يحيى عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي) قال مسلم: بعد الوتر، ثم اتفقا (ركعتين وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمانياً، ثم يأتي بركعة يوتر بها، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، يعني: يجلس، ثم إذا أراد أن يركع قام، معناه: أنه يقرأ وهو جالس، ثم يقوم ويقرأ بعد ذلك، ثم يركع ويصلي ركعتين بعد طلوع الفجر، فيكون مجموعه ثلاث عشرة ركعة، معناه أنها تسع، ثم بعدها ركعتان وهو جالس، ثم يضاف إلى ذلك ركعتان بعد طلوع الفجر الثاني اللتين هما ركعتا الفجر، فهذه صفة من الصفات التي جاءت عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وأكثر ما جاء عنها أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، ثم أربعاً، ثم ثلاثاً، وأحياناً يصلي ثنتين ثنتين، ويوتر بواحدة، وجاء عنه الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فتكون إما ركعتا الفجر قد حسبت كما جاء في هذا الحديث، وكما مر في حديث قبل ذلك، وإما ركعتان خفيفتان تبدأ بهما الصلاة، فتكون هما المكملة للعدد ثلاث عشرة أو الركعتان اللتان بعد صلاة الوتر، وهذا لا يكون باستمرار وإنما يكون في بعض الأحيان.
الحاصل أن صلاته صلى الله عليه وسلم جاءت على أوجه متعددة، ولكن مجموع ما صلاه عليه الصلاة والسلام لا ينقص عن سبع في أي ليلة من الليالي ولا يزيد على ثلاث عشرة، وقد عرفنا أن هذا لا يدل على التقييد بهذا، بل الأمر في ذلك واسع، فلو أراد إنسان أن يزيد على إحدى عشرة فإنه لا بأس بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى).
فهذا يبين لنا أن الأمر واسع، ولكن الأخذ أو الإتيان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه هو الأولى، ولكن الإنسان إذا وجد إماماً يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، فلا يتأخر عنه في شيء من الصلاة، وإنما ينبغي له أن يصلي معه جميع الصلوات التي يصليها حتى ينصرف الناس، وحتى تنتهي صلاة التراويح أو صلاة قيام رمضان، ولا يقول الإنسان: أنا أصلي إحدى عشرة ركعة ولا أزيد؛ لأنه ما جاء شيء يدل على عدم الزيادة، ووجوب الالتزام بهذا العدد، بل الأمر في ذلك واسع.
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) يدل على ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، فالزيادة على ذلك لا بأس بها، ولا مانع منها، وهي زيادة خير، والزيادة في الصلاة فيها أجر وثواب، ولا سيما وأن الصلاة في هذا المسجد المبارك بألف صلاة، أي صلاة فيه بألف صلاة، فلا يليق بالإنسان الناصح لنفسه أن يفوت على نفسه شيئاً من هذا الخير، وألا يصلي مع الجماعة أو لا يكمل الصلاة مع الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، لكنه ما منع الزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولا جاء عنه ما يدل على المنع، بل جاء شيء يدل على الزيادة.
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)].
هذا إجمالها أولاً، ثم يأتي تفصيلها.
قوله: [(كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي) قال مسلم: (بعد الوتر) ثم اتفقا (ركعتين وهو قاعد)].
يعني: مسلم الذي هو أحد الشيخين.
قوله: [فإذا أراد أن يركع قام فركع ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين].
ذكرتها إجمالاً وذكرتها تفصيلاً.
ومعناه: أنها حسبت سنة الفجر من قيام الليل، مع أن صلاة الفجر كما هو معلوم هي في النهار وليست في الليل؛ لأن اليوم يبدأ يبدأ بطلوع الفجر، فهي صلاة الفجر من النهار، وإن كانت في غلس إلا أنها في النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، كما أن صلاة المغرب بالليل وليست بالنهار؛ لأنها تكون بعد غروب الشمس، والليل إنما يبدأ بغروب الشمس، وينتهي الليل بطلوع الفجر.
وقد سبق أن عرفنا أن الإمام أبا داود رحمه الله -وهذا من فقهه وهو قليل في كتابه- يذكر شيئاً من الفقه وقد مر بنا أنه قال: إذا كان الإنسان عليه جنابة ثم اغتسل للجنابة بعد طلوع الفجر فإنه يغنيه عن غسل الجمعة؛ لأنه حصل بالنهار، يعني: حصل في نهار الجمعة.