قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ركعتي المغرب أين تصليان.
حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال: حدثني أبو مطرف محمد بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال: هذه صلاة البيوت)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب: ركعتي المغرب أين تصليان] وهما الركعتان اللتان تكونان بعد المغرب، ومن المعلوم أن الركعات التي هي رواتب اثنتا عشرة ركعة كما سبق بذلك الحديث عن أم حبيبة وعن عائشة رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، وهي أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الفجر، وهذه الترجمة في الركعتين اللتين بعد المغرب أين تصليان؟ والجواب أنهما تصليان في البيوت، ويجوز أن تصلى هذه الراتبة في المساجد ولا بأس بذلك، ولكن الأولى هو صلاتها في البيوت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).
ولكونه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصلوات رجع إلى بيته وصلى ركعتين بعد المغرب، وكذلك الركعتان بعد الظهر كما جاء بذلك الحديث عن عائشة الذي فيه التفصيل لسنن الرواتب الاثنتي عشرة، والذي بينت فيه عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها جميعاً في البيوت.
وأورد أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل، ولما صلى رأى أناساً يسبحون بعد الصلاة، أي: يتنفلون؛ لأن التسبيح المراد به التنفل، ويقال للنافلة: سبحة، ويقال للذي يتنفل: يسبح، وقد مرت أحاديث عديدة فيها التعبير بهذه العبارة التي هي إطلاق النافلة على السبحة.
قوله: [(فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال: هذه صلاة البيوت)].
يعني أن الصلاة التي هي النافلة الأفضل أن تكون في البيوت، ولا يعني ذلك أنها لا تجوز في المساجد، ولكن الأفضل والأولى أن تكون في البيوت؛ لأن الأجر يكون أعظم، والثواب يكون أكبر، وسبق أن مر بنا الحديث في سنن أبي داود في أن صلاة النافلة أو التطوع في البيت أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن الإنسان إذا تمكن من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه أراد أن يصلي في بيته بعدما تنتهي الصلاة فذلك أعظم أجراً، وإن صلاها في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها تكون بألف صلاة، ولكنه لو صلاها في بيته تكون أكثر من ذلك وأعظم، لهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).
والحديث في إسناده ضعف، وهناك من تكلم فيه، ولكن معناه صحيح؛ لأنه جاءت الأحاديث الكثيرة على وفقه وعلى مقتضاه، من ناحية الأحاديث التي هي حكاية فعله، كما سبق أن مر في حديث عائشة، ومن ناحية التشريع العام للناس، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).