قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن علية عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)].
سبق أن حصل البدء بترجمة الصلاة قبل المغرب، ومر بعض الأحاديث في ذلك، ومنها حديث أنس الذي فيه أنهم كانوا يصلون في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكان يراهم فلا يأمرهم ولا ينهاهم، أي: يقرهم على ذلك، وأورد أبو داود رحمه الله هنا حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)] والمقصود بالأذانين: الأذان والإقامة؛ لأن الإقامة يقال لها أذان لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان: إعلام بدخول الوقت، ودعوة الناس إلى الحضور إلى المساجد بقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) والإقامة إعلام بالقيام للصلاة، وأن الناس يقومون لها، أي: الذين هم حاضرون.
ولذا قيل: إن كلاً منهما يقال له: أذان، وبعض أهل العلم يقول: إنه تغليب، يعني أن الإقامة قيل لها أذان تغليباً، فغلب الأذان فأتي بلفظه فقيل: (أذانان)، كما يقال: العمران والقمران، وما إلى ذلك من الأشياء التي يؤتى بها مثناة، ويغلب أحد الشيئين فيهما على الآخر، لكن الأذان والإقامة ليسا من هذا القبيل؛ لأن كل واحد منهما يعتبر أذاناً، إلا أن هذا أذان إعلام بدخول الوقت، وهذا إعلام بالقيام إلى الصلاة.
وقوله: [(صلاة)] مطلق، ولكن أقل ما يتنفل به ركعتان.
وإذا حصلت زيادة على ذلك فلا بأس، وأما بالنسبة للفجر فلا يصلى قبلها إلا ركعتان خفيفتان، ولا يتطوع ويؤتى بنوافل، فقوله صلى الله عليه وسلم: [(بين كل أذانين صلاة)] يدل على أن كل صلاة من الصلوات الخمس يصلى بين أذانها وإقامتها، إلا أن الظهر ورد فيه أربع، وهي راتبة، والفجر ورد قبلها ركعتان، وأما العصر والمغرب والعشاء فلم يأت شيء يدل على الرواتب فيها، ولكن ورد ما يدل على فضل الصلاة قبل العصر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً).
وهذا الحديث أيضاً يدل على ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم [(بين كل أذانين صلاة)].
وكذلك بعد المغرب ورد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرهم على ذلك، وقبل العشاء يدخل تحت عموم هذا الحديث الذي هو قوله: [(بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)].
فثلاث من الصلوات -وهن العصر والمغرب والعشاء- يصلى بين أذانها وإقامتها، لكن ذلك ليس من الرواتب، وإنما الرواتب هي قبل الفجر ركعتان، وقبل الظهر أربع ركعات.
وقد يقال: هل يستفاد من هذا الحديث أن يردد خلف المقيم؟
و صلى الله عليه وسلم الإقامة يقال عندها مثلما يقال عند الأذان، وليس هذا الحديث هو الدليل على هذا، وإنما الدليل قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)؛ لأن هذا نداء وأذان، والإنسان يقول كما يقول المؤذن، إلا عند: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما حديث: (أقامها الله وأدامها).
فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، وليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي هو ثابت هو قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) والنداء هو إعلام بالقيام إلى الصلاة، فيقال فيه مثلما يقول المؤذن.