قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع حدثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنهما أنه قال: (قلت: يارسول الله! أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار، ثم صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر، ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار.
وقص حديثاً طويلاً، قال العباس: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة، إلا أن أخطىء شيئاً لا أريده فأستغفر الله وأتوب إليه)].
أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
قوله: [(أي الليل أسمع؟)].
يعني: أي ساعات الليل أرجى للإجابة، وأسمع في إجابة الدعاء، وهذا من جنس قول: (سمع الله لمن حمده) بمعنى: استجاب، فـ (سمع الله لمن حمده) يعني: استجاب الله لمن حمده، فمعنى (أسمع) أي: أقرب إجابة للدعاء.
قال: [(جوف الليل الآخر)] وقيل: إن هذا هو السدس الخامس؛ لأن الليل ستة أسداس.
وهذا معناه أنه يقوم في أول الليل ثم ينام، ثم يقوم في جوف الليل، ثم بعد ذلك يستريح في السدس الأخير من الليل فقال: [(جوف الليل الآخر)].
ومعناه أنه في آخر الليل ويكون في الثلث الآخر، في أوله؛ لأنه في آخره يستريح حتى يستعد المتهجد الذي يصلي في الليل لصلاة الفجر.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ومعناه أنَّ الثلث الذي كان يتهجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هو بعد نصف الليل؛ لأنه يستريح في آخر الليل حتى يتهيأ لصلاة الصبح.
قوله: [(أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)].
معنى [(فصل ما شئت)] أي: في ذلك الوقت، [(فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)] يعني: تشهدها الملائكة وتكتبها، فهي تكتب الأعمال الصالحة.
قوله: [(حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس)].
من المعلوم أنه بعدما يحصل أذان الصبح يصلى ركعتين خفيفتين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد كان لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين.
قوله: [(ثم أقصر عن الصلاة)] يعني: بعد صلاة الفجر، [(حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح أو رمحين ثم صل فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)] يعني: في الضحى من ارتفاع الشمس إلى قرب الزوال، فإذا قرب الزوال يمتنع الإنسان عن الصلاة حتى تزول الشمس.
قوله: [(حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها)].
معنى [(حتى يعدل الرمح ظله)] أي: حتى يقرب الزوال [(ثم أقصر)] حتى يحصل الزوال، لأن الشيء الواقف ظله ينحسر شيئاً فشيئاً حتى يقرب منه، فيكون من أصله، بحيث تكون الشمس فوقه، فلا يكون له ظل من جهة الغرب؛ لأن الشمس توسطت في السماء، وهذا إذا كان في الصيف، وإن كان في الشتاء فإن الظل يذهب إلى جهة الشمال؛ لأن الشمس تكون جنوباً، فيذهب الظل إلى جهة الشمال، وإذا حصل الزوال تكون على الرأس، فيكون الظل قد انحسر من جهة الغرب، ثم يبدأ في الاتجاه إلى جهة الشرق حيث تزول الشمس إلى جهة الغرب، فإذا زالت الشمس فعند ذلك للإنسان أن يصلي، وعند قيام الشمس الذي هو استواؤها يمتنع عن الصلاة؛ لأن جهنم تسجر وتفتح أبوابها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وإذا زاغت الشمس فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس)].
أي: إذا صليت العصر أقصر عن الصلاة وامتنع حتى تغرب الشمس، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث للنهي عن الصلاة بعد العصر؛ لأن الحديث يتعلق بالصلاة بعد العصر.
قوله: [(فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار)].
أي: فيجب الامتناع من الصلاة في ذلك الوقت.
قوله: [(وقص حديثاً طويلاً)].
يعني: لم يسقه أبو داود هنا.
قوله: [قال العباس: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة].
العباس أحد رجال الإسناد، يقول: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة.
قوله: [(إلا أن أخطئ شيئاً لا أريده فأستغفر الله وأتوب إليه)].
يعني: إذا حصل منه خطأ غير مقصود فإنه يستغفر الله عز وجل من ذلك.