قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الطالب.
حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الطالب.
يعني: طالب العدو، الذي يطلب عدواً، و (أل) تغني عن المضاف إليه، فالطالب أي: طالب العدو.
ويأتي كثيراًَ التعبير بـ (ألـ) فتغني عن المضاف إليه، كما يقال: الفتح والبلوغ والنيل اختصاراً والمراد فتح الباري وبلوغ المرام، ونيل الأوطار، فـ (أل) تغني عن المضاف إليه.
فالطالب هنا أي: طالب العدو، فحذف المضاف إليه وهو العدو، وجاءت (أل) في الأول عوضاً عن المضاف إليه، والمقصود من يطلب عدواً.
والعلماء قالوا: إن الإنسان قد يكون طالباً وقد يكون مطلوباً، فإذا كان مطلوباً والعدو يطلبه ولو وقف يصلي تمكن منه وقضى عليه، فإنه يصلي على راحلته، ويصلي إيماء، ويصلي ماشياً كما قال الله: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] يعني: هذا إذا كان مطلوباً.
وأما إذا كان طالباً فإنه ينزل ويصلي، إلا إذا حشيء أنه إذا انفرد عن أصحابه قد يلحق به العدو، فيصير هنا كأنه في حكم المطلوب؛ فله أن يصلي ماشياً أو راكباً، وأما إذا كان متمكناً من أن يصلي نازلاً، ولن يترتب على صلاته مضرةً عليه، فإنه ينزل يصلي، وهذا إذا كان طالباً.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن خالد بن سفيان الهذلي في عرنة أو عرفات فاذهب إليه فاقتله، وكان يجمع لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، ولما رآه قال: خشيت أنني إن أخرت الصلاة يكون بيني وبينه شيء يجعلني أؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، فصار يصلي وهو في طريقه إليه يومئ إيماء وهو يمشي.
ولما وصل إليه قال له خالد: من أنت؟ قال: رجل من العرب، علمت أنك تجمع لهذا الرجل -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فجئتك لهذا، يعني: وهذا كلام فيه تورية؛ لأنه يريد شيئاً، وذاك يريد شيئاً آخر، كأنه قال: جئت لأنصرك وأؤيدك، ففهم هذا منه ذلك، وهو يريد: جئتك من أجل أنك تؤلب عليه فأنا أريد أن أقتلك، فهذا هو الذي جاء من أجله، والرجل فهم منه أنه يريد أن يسير معه، وهو يريد أنه جاء ليقضي عليه؛ لأنه يجمع لقتال للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من التورية في الكلام، فيكون المتكلم يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وكلامه محتمل؛ لأنه لو قال: جئت أنصرك، لصار كاذباً، ولو قال: جئت أقاتلك لقاتله، ولكنه أتى بكلام مجمل يحتمل هذا ويحتمل هذا، وهذا من التورية في الكلام.
وقوله: إني لفي ذاك، يعني: إنني في شأني هذا أجمع لقتاله، فمشى معه، ولما تمكن منه ضربه بالسيف حتى برد، يعني: حتى مات.