قال المصنف رحمه الله: [باب السجود عند الآيات.
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي حدثنا يحيى بن كثير حدثنا سلم بن جعفر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: ماتت فلانة -بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم آية فاسجدوا)، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب السجود عند الآيات].
يعني: حصول الآيات.
ثم أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: [ماتت فلانة] وهي واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن وأرضاهن، [فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟] ولعل ذلك كان في وقت كراهة، أو أن المقصود حين بلغك الخبر بادرت، فكأنه قيل له: ما هو المستند عليه في ذلك؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)].
ثم قال: [وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!] وهذا يدلنا على تعظيم الصحابة لأزواج الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهن وأرضاهن، ومعرفة ثقتهن ومنزلتهن، وأنهن حليلات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، ولهذا حرم على غيره الزواج بهن من بعده صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، فهذا يدل على أن وجود أولئك الصحب الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن فيه سلامة، وفيه خير للناس، وفقدهم أو فقدهن فيه مضرة للناس، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم)، فذكر الطبقات الثلاث التي هي طبقة الصحابة، وطبقة التابعين، وطبقة أتباع التابعين الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
وهذا يبين أن فقد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -ولاسيما زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن- فقد لمن فيه الخير، ووجودهم كان أمنة لهذه الأمة، وإذا حصل بعد ذلك ذهابهم حصلت الفتن والشرور، وحصلت الأمور التي ليس لها حد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).
فقوله: [السجود عند الآيات] يحتمل أن يكون المقصود به السجود الذي هو مفرد السجود، ويحتمل أن يكون المراد به الصلاة، والصلاة يقال لها: سجود، فقوله: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)]، معناه: صلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153].
فالصلاة عند المصائب فيها تسلية، وفيها تهوين وتخفيف لوطأة الشيء، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لـ بلال (أرحنا بها يا بلال)، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فهو من هذا القبيل، فقوله: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)]، يظهر أنه صلاة، ومنهم من قال: إنه سجود فقط، والذي فعله ابن عباس يدل عليه.
فقد يكون المقصود منه السجود فقط، وقد يكون المقصود منه الصلاة التي منها السجود، والله تعالى أعلم.