قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في صلاة الكسوف.
حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة وعبد الله بن أبي سلمة وسليمان بن يسار كلهم قد حدثني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة البقرة -وساق الحديث- ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران).
حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها.
يعني: في صلاة الكسوف).
حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً بنحو من سورة البقرة ثم ركع، وساق الحديث)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب القراءة في صلاة الكسوف]، أي: إثبات القراءة، وأن صلاة الكسوف يقرأ فيها قرآن، وقد سبق في الأحاديث التي مرت ما يدل على ذلك؛ لأن كل الأحاديث أو أكثرها التي مضت فيها إثبات القراءة، ولكن أبا داود رحمه الله عقد هذه الترجمة من أجل ذكر القراءة في الترجمة، والاستدلال عليها ببعض الأحاديث الدالة على ذلك، وإلا فإن الأحاديث التي تقدمت في صلاة الكسوف وأنها أربعة ركوعات في ركعتين مشتملة على القراءة، وهذه الأحاديث الثلاثة التي أوردها أبو داود الأول والثاني منها عن عائشة، والثالث عن ابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع، وهي تدل على إثبات القراءة وعلى حصولها، وفي بعضها تنصيص على أنه جهر بها، وهو حديث عائشة الثاني، والحديث الأول والحديث الثالث في أحدهما: [(بنحو من سورة البقرة)] وفي الآخر: [(فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة)] ويمكن أن يقال: إنها حزرت القراءة؛ لأنها كانت بعيدة منه، وإلا فإنه يجهر، ولكن للبعد عنه لا يفهم الشيء الذي يقرؤه، وقدرت ذلك بنحو سورة البقرة، وقد سبق أن مر حديث سمرة الذي فيه أنه جاء سمرة أو أبي بن كعب فقال: (جئت والناس في أزز فصليت) وقال: (حزرت قراءته) لأنه كان بعيداً حيث جاء والمسجد مكتظ، وصلى الناس وهو في آخرهم، ومعناه أنه لم يتمكن من السماع، فكذلك عائشة رضي الله عنها لا تنافي بين ما جاء عنها من كونها حزرت، ومن كونه جهر؛ لأن الجهر موجود، لكنها لم تفهم ذلك لكونها بعيدة، ولكن فيه إثبات القراءة وإثبات الجهر.
إذاً: فصلاة الكسوف يجهر فيها، ومن أثبت حجة على من لم يثبت، وما جاء في الحديث الذي سبق: (ما سمعت له صوتاً) يحمل على أنه كان بعيداً، وإلا فإن حديث عائشة هذا فيه التنصيص على أنه جهر، وحديثها الأول لا ينفي أن يكون جهر، بل حزرها وتقديرها لقراءته يمكن أن يكون لكونها بعيدة، أو أن قراءته كانت متفرقة، وأنها قدرت مجموعها بهذا المقدار الذي هو نحو سورة البقرة، وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي قال فيه: [(بنحو من سورة البقرة)] فيقال فيه: مثل ما يقال في حديث عائشة الأول الذي هو الحزر والتقدير، وأنه قريب من ذلك.