وفي الحديث أنه قال: (تأخر فتأخر الناس، ثم تقدم فتقدم الناس) وهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، فرأى الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً ثم إنه ترك، وعرضت عليه النار فتأخر، ولما فرغ قالوا له: إنا رأيناك تقدمت كأنك تريد أن تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال: عرضت علي الجنة وعرضت علي النار، فحينما رأيتموني تقدمت تقدمت فمددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، قال عليه الصلاة والسلام: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يدلنا على عظم شأن الجنة، وأن عنقوداً يكفي الناس إلى نهاية الدنيا لو أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن لا تأتي في الدنيا لأنه لو جاء نعيم الآخرة في الدنيا فأي ميزة للآخرة تكون على الدنيا؟! بل سيكون الغيب علانية، ويكون الغيب شهادة، ولكن الله تعالى شاء أن يكون الغيب غيباً، وأن لا ترى أمور الآخرة إلا في الآخرة، ومن ذلك رؤية الله عز وجل، فإن رؤية الله أكبر نعيم يكون لأهل الجنة، وقد شاء الله عز وجل أن لا يرى في الدنيا بل يرى في الآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما جاء في ذلك الحديث في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث فيه إشارة إلى التأخر، وليس فيه إشارة إلى التقدم لأجل التناول، وإنما فيه التأخر ثم الرجوع، ولما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر الناس، ولما تقدم تقدم الناس، وكان تأخره وتقدمه من أجل أنه عرضت عليه النار فتأخر، ولما ذهب عرضها تقدم، فتأخر الناس لتأخره، وتقدموا لتقدمه، فهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم من ذكر عرض الجنة والنار عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.