أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [من قال أربع ركعات] يعني أنها أربعة ركوعات، فالمقصود بالركعات الركوعات، وليس المقصود الركعة التي يدخل فيها السجود والقعود والقيام، وإنما المقصود بذلك الركوع، فيطلق على الركوع ركعة، تسمية للبعض باسم الكل، كما أنه يأتي في بعض الروايات (سجدة) ويراد بها الركعة تسميةً للجزء باسم الكل، فيقال للركعة: سجدة، ويقال للركوع: ركعة.
فقوله: [من قال أربع ركعات] يعني: أربعة ركوعات، وليس المقصود به الركعات التي فيها قيام وركوع وسجود وجلوس، فهذه يقال للواحدة منها: ركعة، وإنما الركوع الذي هو الانحطاط من القيام حيث يركع، فهذا هو المقصود بقوله: [أربع ركعات] وهذه الترجمة معقودة لبيان الأحاديث التي جاءت في أن صلاة الكسوف تكون أربع ركعات، أي: أربعة ركوعات، ولكنه ذكر غير ذلك، حيث ذكر هذا الحديث الأول الذي هو ستة ركوعات، وذكر بعد ذلك خمسة ركوعات، وأربعة ركوعات، وكذلك ذكر الركوع الواحد، كل ذلك ذكره في هذه الترجمة.
وأورد أبو داود رحمه الله أولاً حديث جابر من طريقين: الطريق الأولى هي مشابهة لطريق عائشة السابقة، التي فيها ستة ركوعات في ركعتين.
ثم أورد بعد ذلك حديث جابر من طريق أخرى، وفيه مطابقة الترجمة، أي: ركوعان في الركعة الواحدة، وأربعة ركوعات في الركعتين، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحديث جابر هذا الذي أورده المصنف هنا هو شاذ أيضاً مثل حديث عائشة الذي تقدم، من جهة أن ذلك حكاية لصلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، وإنما صلى صلاة واحدة، فالمعتبر هو ما تعددت فيه الطرق وكثر فيه الرواة، فرواية الأوثق تكون هي المحفوظة، ورواية الثقة التي خالف فيها من هو أوثق منه تكون شاذة، فالرواية الأولى لحديث جابر شاذة كرواية حديث عائشة المتقدمة؛ لأنها بمعناها، أي: ستة ركوعات في الركعتين، وفيها أن الناس قالوا: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وهذا على المعروف في الجاهلية، وهو أنها تنكسف لموت العظماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ولما فرغ قال: [(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فالحديث مثل الحديث المتقدم غير ثابت؛ لأنه شاذ ومخالف للروايات الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرهما من أن الركعة الواحدة في صلاة الكسوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ركوعان اثنان فقط، وليس ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.