قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها] والمقصود بقوله: [بجماع] ما يجمع النصوص الواردة في صلاة الاستسقاء والتفاريع المتعلقة بها من كون أن فيها خطبة، وفيها صلاة، وفيها رفع يدين، وفيها تحويل رداء، وغيرها من الفروع التي بهذه الأبواب، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أبواباً قليلة، ولكن هذه الأبواب تدل على هذه الفروع التي أشار إليها، فجمع أحاديث الاستسقاء في مكان واحد وفرعها إلى أبواب، كما هو الشأن في الكتب الأخرى، ككتاب العيدين وكتاب الجمعة وغير ذلك؛ لأنه يأتي بالأبواب أو الموضوعات المتعلقة بالجمعة في مكان واحد ويفرعها في الأبواب المختلفة ثم يورد تحت كل باب الأحاديث التي تتعلق بتلك الترجمة التي يترجم لها.
وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء يشرع الخروج لها إلى العراء؛ لأن النبي صلى عليه وسلم خرج بهم لأداء تلك الصلاة، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، فصلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، وهي كالعيدين، بل جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه صلاها كما يصلي العيد، والعيد يجهر فيه بالقراءة، وكذلك الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، والصلوات التي تكون في النهار جامعة، وتكون إما أسبوعية كصلاة الجمعة، أو سنوية كصلاة العيدين أو على حسب المناسبات كصلاة الاستسقاء، كل هذه يجهر فيها بالقراءة، ودعا وحول رداءه صلى الله عليه وسلم، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، قيل: وذلك تفاؤل لتغير الحال من القحط إلى الجدب، ومن الضيق إلى الرخاء.
وقوله: [(ورفع يديه)] يدلنا على أن الدعاء في الاستسقاء ترفع فيه الأيدي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، ولم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، فدل هذا على أن دعاء الاستسقاء من المواضع التي ترفع فيه اليدان.
قوله: [(واستقبل القبلة)] يعني: بعدما خطب الناس تحول إلى القبلة، وحول رداءه ودعا، وجاء في بعض الأحاديث أن الناس حولوا أرديتهم تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن تحويل الرداء ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام ولغيره من الناس، وقد عرفنا فيما مضى أن الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ثم جاءه جبريل وأخبره أن في نعليه شيئاً من الأذى خلع نعليه في الصلاة، فالصحابة خلعوا نعالهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ من الصلاة سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، وهكذا حول رداءه فحولوا أرديتهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
والإمام في حال الخطبة يدعو وهو مستقبل الناس، ولكنه بعدما ينهي الخطبة يتحول إلى جهة القبلة في مكانه ويحول رداءه ويدعو، والناس أيضاً يحولون أرديتهم ويدعون.