قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد ابن أخت نمر يسأله عن شيء رأى منه معاوية رضي الله عنه في الصلاة فقال: (صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلمت قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما صنعت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج)] أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه صلى في المقصورة، والمقصورة حجرة كانت في المسجد، وكان قد اتخذها معاوية بعدما اعتدى عليه الخارجي، فكان يصلي في المقصورة، فصلى السائب بن يزيد معه، وحصل من السائب بن يزيد أنه قام يتنفل في مكانه بعد الجمعة، ثم إن معاوية دعاه وقال: (لا تعد إلى ما صنعت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج)، يعني: ليس للإنسان أن يصلي بعد الجمعة في مقامه؛ لأن هذا من وصل الصلاة بالصلاة، وهذا دليل على أن الإنسان يصلي النافلة في مكان آخر غير المكان الذي صلى فيه الفريضة، وفائدة ذلك أن لا يصل فرضاً بنفل، ولتشهد له البقاع المتعددة التي يصلي فيها؛ لأن الأرض تشهد يوم القيامة على ما فعل على ظهرها من خير وشر، وهو معنى قول الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] يعني: تخبر عما حصل على ظهرها من خير أو شر، فإذا صلى الإنسان في مكان آخر تعددت البقع التي صلى فيها، وتشهد له البقع المتعددة والأماكن المتعددة.
والحاصل أن حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يدل على أن الإنسان إذا تنفل يوم الجمعة في المسجد فلا يتنفل في مكانه الذي صلى فيه حتى يتكلم أو يخرج أو يتحول إلى مكان آخر كما سيأتي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الفصل بين الفرض والنفل يكون بالكلام ويكون -أيضاً- بالفعل والانتقال، ولكن الانتقال أولى من الاقتصار على الكلام؛ لأن فائدة الانتقال تعدد البقع وكونها تشهد له كما أشرت إلى ذلك آنفاً.
وهذا الحكم ليس خاصاً بالجمعة، بل الجمعة وغيرها من ناحية الانتقال سواء، وهذا الحديث: فقوله: [(فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، أن لا توصل صلاة بصلاة عام)].