قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة بعد الجمعة.
حدثنا محمد بن عبيد وسليمان بن داود المعنى، قالا: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع: (أن ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً؟ وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب: الصلاة بعد الجمعة] يعني: صلاة النافلة بعد الجمعة، وقد وردت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الصلاة بعد الجمعة ركعتان أو أربع، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في بيته بعد أن ينتهي من صلاة الجمعة ركعتين، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يصلى بعد الجمعة أربع ركعات، وهذا يدلنا على أن الجمعة لها سنة بعدها، وهي إما ركعتان أو أربع، وبعض العلماء قال: إن هذا من خلاف التنوع، والإنسان له أن يصلي ركعتين أو أربعاً، والأربع أكمل وأتم، وبعض أهل العلم -ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية - قال: إن صلى في بيته صلى ركعتين، وإن صلى في المسجد صلى أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يصلي في بيته ركعتين، وجاء عنه أنه أمر بأن يصلى بعد الجمعة أربع ركعات، والنبي صلى الله عليه وسلم داوم على صلاة ركعتين في بيته، فإذا صلى الإنسان في بيته يصلي ركعتين، وإذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وقد جاء في الحديث ما يدل على ذلك، وإن صلى في البيت أربعاً فلا بأس بذلك، لكن كونه يأتي بالأربع في المسجد أو ركعتين في البيت -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - هو الأولى، وذلك لأنه لو صلى في المسجد ركعتين وكان في مصلاه الذي صلى فيه فيكون كأنه قد صلى الجمعة أربعاً، ولكنه إذا تحول من مكانه وصلى في مكان آخر ركعتين أو أربعاً فإن هذا الاحتمال أو هذا الإشكال يزول لكونه صلى في مكان آخر.
أما السنة قبل الجمعة فلم يأت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن تشرع النوافل المطلقة التي هي غير مقيدة بعدد، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، فقد قال: (من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما كتب له ثم أنصت للخطبة) ومعناه أنه يصلي ما أمكنه أن يصلي، وكان ابن عمر يصلي كثيراً في المسجد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا جاءوا إلى المسجد يصلون ما أرادوا أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة، فليس هناك راتبة معينة محددة قبل الجمعة، لا ثنتين ولا أربع، وإنما الراتبة بعدها -كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام- إما ركعتان وإما أربع، وقبل الجمعة ليس هناك راتبة، ولكن هناك الصلاة المطلقة التي تكون من الإنسان إذا دخل المسجد، فله أن يصلي ما أمكنه أن يصلي ثم بعد ذلك يجلس ولا يقوم إلا للصلاة بعد ذلك.
وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه [رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه فدفعه، وقال: أتصلي الجمعة أربعاً؟!] ولعله دفعه ليتحول من مكانه حتى لا يكون كأنه صلى الجمعة أربعاً، بمعنى أنه صلى مع الإمام ركعتين ثم أتى بعد ذلك بركعتين بعدها، فتصير كأنها ظهراً، ولكنه إذا انتقل إلى مكان آخر وتحول إلى مكان آخر زال الإشكال.
قوله: [(وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي أنه كان يصلي في بيته ركعتين، لكنه إذا صلى ركعتين في المسجد في مقامه فإنَّه بذلك يكون كأنه صلى الجمعة أربعاً، ولكنه لو تحول من مكانه إلى مكان آخر يزول الإشكال؛ ولهذا قال: [فدفعه] ومعناه أنه أراد منه أن ينتقل، وبعض الشراح قال: منعه من الصلاة، ولكن ابن عمر رضي الله تعالى عنه جاء عنه أنه إذا كان بمكة وصلى الجمعة فإنه كان يتحول عن مكانه قليلاً ويصلي ركعتين، ثم يتحول عن مكانه قليلاً ويصلي أربعاً، وإذا كان في المدينة صلى الجمعة ثم صلى بعدها ركعتين في بيته كما جاء في الحديث الذي معنا وقال: [هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم] وذلك يرجع إلى الركعتين اللتين تكونا في البيت بعد الجمعة.