قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: استئذان المحدث الإمام.
حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج حدثنا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف).
قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة وأبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يذكرا عائشة رضي الله عنها].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب: استئذان المحدث الإمام] يعني أنَّ الإنسان إذا أحدث هل يستأذن الإمام في الانصراف أو لا يستأذنه؟
و صلى الله عليه وسلم لا يستأذنه، وإنما يفعل ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وهو أن يجعل يده على أنفه ثم ينصرف، بدون استئذان، قال بعض أهل العلم: لا يستأذن، وقول الله عز وجل: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور:62] المقصود به الجهاد، وليس المقصود به في أي مكان من الأمكنة، فالجمعة من المواضع التي لا يحتاج فيها إلى استئذان، وقد ذكر صاحب عون المعبود أن ابن أبي شيبة روى بإسناده عن محمد بن سيرين أنه قال: (إنهم كانوا يستأذنون إذا حصل من أحد منهم حدث، فلما جاء زمن زياد وكثر الناس قال: من حصل منه شيء فليضع يده على أنفه ولا يستأذن.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة، وفيه أنه لا يحتاج من حضر الجمعة إلى استئذان، بل فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إذا أحدث في صلاته إلى أن يضع يده على أنفه وينصرف، وكونه يضع يده على أنفه من أجل أن يوري بأنه رعف، وليس المقصود من ذلك أنه حصل منه رعاف، فهذا فيه تورية وستر على الإنسان الذي حصل منه شيء لا يعجبه.
ومن باب التورية والفطنة أن جماعةً كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج من أحدهم ريح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم المحدث وليتوضأ) فكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله؟ قال: (بلى.
فقاموا وتوضئوا) وهذا فيه ستر للمحدث، وحصل المقصود من وضوئه، وغيره جددوا الوضوء، فهذا من الذكاء ومن الدهاء ومن الفطنة، ويحصل به الستر، فبعض الناس قد ينتقد ويهزأ ممن صدر منه ذلك، وقد جاء في الحديث: (علام يضحك أحدكم مما يفعل).