قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في وقت الجمعة.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثني فليح بن سليمان حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في وقت الجمعة] أي: في بيان وقت الجمعة، ووقت الجمعة هو إذا زالت الشمس، فبعد الزوال هو وقت صلاة الظهر، ويجوز أن تؤدى الصلاة قبل الزوال، لكن الأولى أن تكون بعد الزوال؛ للأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي إذا مالت الشمس وإذا زالت الشمس، وقد جاءت بعض الأحاديث فيها ما يدل على فعلها قبل زوال الشمس، ولكن كونها يؤتى بها بعد الزوال هو الأولى؛ لأن الذين لا يلزمهم حضور الجمعة ليس عليهم إلا الظهر، فإذا أتي بالجمعة في وقت الظهر بعد الزوال فلا يكون هناك محذور في أن يحصل تشويش ويحصل أن بعض الناس يصلي في بيته قبل الزوال؛ لأن الأذان وجد قبل الزوال، فإذا كانت الصلاة بعد الزوال فيؤمن على من كان في البيوت من أن يصلوا قبل دخول وقت صلاة الظهر، والظهر لا يبدأ وقتها إلا بعد الزوال، فالنساء لا تجب عليهن الجمعة، ويجب عليهن أداء صلاة الظهر، والظهر لا يجوز إتيانها إلا بعد الزوال، وعلى هذا فإن وقت صلاة الجمعة وقت الظهر، ولكنه يجوز فعلها قبل الزوال؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك قال: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)] يعني: إذا زالت الشمس.
وقوله: [(كان)] في الغالب أنها تفيد الاستمرار، ولكنه قد تأتي هذه الصيغة لغير الاستمرار، ولكنه يستدل بها على المداومة وعلى الكثرة، ولكن قد تأتي للمرة الواحدة، وقد تأتي للقلة، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة في حجة الوداع في السنة العاشرة ومع ذلك عبرت عائشة رضي الله عنها بقولها: (كنت) فهذا يدل على أن (كان) قد تأتي أحياناً لغير الاستمرار، لكن الغالب فيها أنها للاستمرار، فقوله هنا: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)] يفيد كثرة الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت.