شرح حديث (ذكر أول جمعة جمعت في الإسلام)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمعة في القرى.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله المخرمي -لفظه- قالا: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجواثا قرية من قرى البحرين) قال عثمان: قرية من قرى عبد قيس].

أورد أبو داود رحمه الله: [باب الجمعة في القرى] يعني أنها تكون في القرى كما تكون في المدن وليست مقصورة على المدن الكبيرة التي فيها المنازل الكثيرة، وإنما القرية التي فيها عدد قليل من الناس مستوطنون، ولهم أبنية هم ساكنون فيها، وليسوا رحلاً ينتقلون من مكان إلى مكان طلباً للعشب كما هو شأن أهل البادية الذين يتتبعون العشب ونزول الأمطار.

فإذا كان هناك أناس مستوطنون في قرية فإنها تجب عليهم الجمعة، وليس لهم أن يتركوا الجمعة ويصلوا ظهراً، بل عليهم أن يصلوا الجمعة، وليس الأمر مقصوراً على المدن الكبار، وإنما القرى أيضاً حكمها حكم المدن.

وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة عبد القيس وأول جمعة جمعت بعد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في مسجد جواثا، وهي قرية من قرى البحرين، وهي لعبد القيس من قبيلة ربيعة، الذين وفدوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في زمن مبكر وقالوا: (يا رسول الله! إنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر نعمل به ونخبر به من وراءنا) فالرسول صلى الله عليه وسلم علمهم، وبعد رجوع وفدهم صلوا الجمعة في مسجدهم، وكان قدومهم إلى المدينة في زمن مبكر حيث لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يوصيهم، وأخبروه أن بينهم وبينه كفار مضر، وأنهم لا يستطيعون أن يأتوا إليه إلا في الشهر الحرام الذي يعظمه الكفار، فأوصاهم الرسول صلى الله عليه وسلم بوصايا، وسألوه أسئلة وأجابهم عنها صلى الله عليه وسلم.

والمقصود أنهم جمعوا في قرية، وهذا دليل على مشروعية إقامة الجمع في القرى، وليس الأمر خاصاً بالأمصار والمدن، بل هو لها ولغيرها مما فيه الاستيطان والاستقرار، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من إقامة الجمعة في القرى كما تقام في المدن.

وقرية جواثا في بلاد البحرين، والمقصود ببلاد البحرين جهة شرق الجزيرة على الساحل، والآن في اصطلاح الناس تطلق على الجزر التي في وسط البحر، لكن البحرين قديماً كانت تطلق على المنطقة التي على الساحل كلها.

وبالنسبة للبدو الرحل الذين يقيمون في مكان قرابة ستة أشهر مثلاً فإنهم لا يجمعون ولو مكثوا طويلاً؛ لأن من شرط التجميع الاستقرار في قرى، وليس في بيوت شعر ينتقلون من مكان إلى مكان ويتحولون من مكان إلى مكان طلباً للعشب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015