قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الجمعة للمملوك والمرأة.
حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور حدثنا هريم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض).
قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الجمعة للمملوك والمرأة] أي: ما حكمها في حقهما؟ ومعلوم أن المرأة لا تجب عليها الجمعة بإجماع العلماء، والمملوك فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال بوجوبها عليه إذا كان مخارجاً، أي: متفقاً معه على أن يعمل ويعطي لسيده خراجاً معلوماً، فإنه يكون في هذه الحالة مثل الحر، يتصرف في نفسه، وهو مستقل بعمله، وإنما يدفع لسيده خراجاً معلوماً من المال، وإلا فإنه يتصرف تصرف الأحرار، فإذا كان المملوك غير مرتبط بعمل يعذر صاحبه في التخلف عن الجمعة فإنه يكون حكمه حكم الحر، بمعنى: أن عليه أن يحضر الصلاة، وأما إذا كان غير متمكن أو كان مكلفاً بعمل والأمر يقتضي بقاءه في عمله فإنه يكون معذوراً.
وقد أورد أبو داود رحمه حديث طارق بن شهاب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة)] وهذا فيه أن الجمعة من فروض الأعيان، وأنها فرض عين على كل مسلم، وأنها ليست من قبيل فروض الكفايات، وإنما هي من فروض الأعيان.
وقوله: [(على كل مسلم في جماعة)] دليل على أن الجمعة تؤدى جماعة.
وقوله: [(إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)] الصبي مثل المرأة باتفاق العلماء، فالجمعة لا تجب عليه؛ لأنه غير مكلف، ولكن وليه مأمور بأن يأمره أن يصلي وأن يعوده على حضور الجمعة والجماعة، لكنه لا يأثم إذا لم يحصل منه حضور الجمعة والجماعة.
وكذلك المريض أيضاً يعذر في ترك الجمعة والجماعة إذا كان لا يستطيع أو يلحقه ضرر بحضور الجماعة، فإنه معذور، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].
ولو حضر الجمعة أحد المعذورين فإنها تجزئه عن الظهر، فهؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة أجزأتهم الجمعة، ويسقط عنهم ما كان عليهم من الفرض في ذلك الوقت.
والمسافر إذا كان سائراً فإنه لا تجب عليه الجمعة، ولكنه إذا حضر وصلى أجزأته، وإذا كان في البلد مقيماً فإن حكمه حكم المقيمين إذا سمع النداء فعليه أن يشهد الصلاة، ولا يجلس في بيته وهو مستقر مقيم، أما المسافر السائر فلا تلزمه الجمعة، ولكن إذا كان هناك مسجد في الطريق ونزل وصلى فيه فلا شك في أن ذلك خير.