قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن زياد بن علاقة أنه قال: (صلى بنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فنهض في الركعتين، قلنا: سبحان الله! قال: سبحان الله! ومضى، فلما أتم صلاته وسلم سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت).
قال أبو داود: وكذلك رواه ابن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ورفعه، ورواه أبو عميس عن ثابت بن عبيد أنه قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، مثل حديث زياد بن علاقة.
قال أبو داود: أبو عميس أخو المسعودي، وفعل سعد بن أبي وقاص مثلما فعل المغيرة وعمران بن حصين والضحاك بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان، وابن عباس أفتى بذلك وعمر بن عبد العزيز.
قال أبو داود: وهذا فيمن قام من ثنتين ثم سجدوا بعدما سلموا].
أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى بالناس وقام من الثنتين فسبحوا له فقالوا: سبحان الله! فقال: سبحان الله! فمضى، ومعناه أنه سمع تسبيحهم ولكنه واصل الصلاة ولم يرجع إلى ما نبهوه عليه، ولما أنهى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو بعد السلام، ولما انصرف قال: إني صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الذي جاء في حديث ابن بحينة، إلا أن في حديث المغيرة بن شعبة أنه سجد بعد السلام، وكان سجوده للسهو عن نقص، وفي حديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام، وكان سجوده عن نقص أيضاً؛ لأن كليهما يتعلق بترك التشهد الأول والجلوس له.
وعلى هذا فإن الإنسان إذا قام من التشهد الأول واستقر قائماً فإنه يواصل ويسجد للسهو قبل السلام أو بعده، فقد جاء في حديث ابن بحينة المتفق على صحته بين البخاري ومسلم وغيرهما أنه سجد قبل السلام، وجاء في حديث المغيرة بن شعبة هذا أنه سجد بعد السلام، وجاء ذلك عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس وعمران بن حصين ومعاوية بن أبي سفيان وأفتى به ابن عباس وعمر بن عبد العزيز.
فهؤلاء سجدوا بعد السلام، فهذا يدل على أن ترك التشهد الأول والجلوس له جاء ما يدل على السجود له قبل السلام وعلى السجود له بعد السلام، وأن عدداً من الصحابة فعلوا مثل هذا الذي فعله المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، فدلت هذه الأحاديث على أنه يصح قبل السلام وبعده، ولكن الأولى أن يكون قبل السلام، لأن حديث ابن بحينة متفق على صحته.
وهذا يدل على ما قاله بعض أهل العلم: إن سجود السهود يجوز كله قبل السلام ويجوز كله بعد السلام، وإن الاختلاف إنما هو في الأفضل هل يكون قبل السلام أو بعده؟ والأفضل هو التفصيل الذي سبق أن عرفناه.