قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نسي أن يتشهد وهو جالس.
حدثنا الحسن بن عمرو عن عبد الله بن الوليد عن سفيان عن جابر - يعني الجعفي - قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو).
قال أبو داود: وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: من نسي التشهد وهو جالس، والأحاديث التي أوردها فيه هي مثل الحديث الذي مر عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، من أن ترك الجلوس والتشهد يكفي فيه سجود، والترجمة قريبة من الترجمة.
فيحتمل أن يكون قوله: من نسي التشهد وهو جالس بمعنى أنه لم يحصل منه جلوس ولا التشهد فيه، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه جلس ولكنه نسي التشهد وهو في حال جلوسه، بمعنى أنه وجد منه واحد وفاته الثاني الذي هو الإتيان بالتشهد، لأن الجلوس يمكن أن يترك ويترك معه التشهد، ويمكن أن يوجد الجلوس ولا يوجد التشهد، بحيث يسهو ولا يقول: التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخره، ثم يقوم، ومعنى ذلك: أنه وجد منه جلوس لا تشهد فيه.
وعلى الاحتمال الأول فالترجمتان لا فرق بينهما، وعلى الاحتمال الثاني فإنه يكون بينهما فرق؛ لكن الأحاديث التي أوردها المصنف في الباب فيها أنه قام من الثنتين وترك الجلوس والتشهد معه.
قوله: [(إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فإنه يجلس)] أي: سواء كان ذلك في أول القيام أو في آخره ما دام أنه لم يستقر قائماً.
وبعض أهل العلم يقول: إنه يرجع ولو قام مالم يبدأ بقراءة الفاتحة، والحديث هنا فيه أنه إذا استوى قائماً لا يرجع، ولكن يأتي بسجدتي السهو جبراً لتركه التشهد والجلوس له.
فالحديث يدل على أن الإنسان إذا قام، فإن لم يستقر قائماً عاد إلى الجلوس، فإن استقر قائماً فقد فاته الجلوس والتشهد فلا يرجع؛ فإذا تذكر قبل الاستقرار قائماً ورجع فإنه مع ذلك يسجد للسهو؛ لأنه وجد السهو منه في هذه الحركة.
ولكن هنا بيان الفرق بين الحالة التي يرجع فيها والحالة التي لا يرجع فيها، وهو أنه إن لم يستقر قائماً فعليه أن يرجع، وإن استقر قائماً لم يرجع، بل يواصل، ويكفي أن يأتي بسجدتي السهو في آخر صلاته.
هذا هو حديث المغيرة بن شعبة الذي يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، والكلام فيه كثير، والألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك بسبب طرق وأوجه أخرى تدل على هذا، وإلا فإنه بهذا الإسناد فيه من لا يحتج به، وقد قال أبو داود: ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث.