قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حذف التسليم.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثني محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) قال عيسى: نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث، قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه].
المقصود بحذف التسليم: ترك إطالته وترك مده، بحيث يأخذ وقتاً أكثر مما لو أتى به بغير مد، فلا يمد السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطوله، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود بحذف التسليم.
وفائدته: أن الإمام يخرج من الصلاة من غير أن يكون هناك تطويل في هذا الذي به الخروج؛ لأن المأموم قد يسابقه إذا طول في السلام فيسبقه، ولكنه إذا أتى به مخففاً بسكون وهدوء وعدم سرعة خاطفة ولا تطويل، بل بتوسط: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) فلا يحصل من المأموم أن يسهو ويسلم فيفرغ من السلام قبل الإمام أو يكون مع الإمام؛ لأن المسابقة للإمام لا تجوز والموافقة للإمام مكروهة، والسنة هو التخلف عن الإمام يسيراً، وتلك هي المتابعة؛ لأن للمصلي مع الإمام أربع حالات: مسابقة، وموافقة، ومتابعة، وتخلف.
والمشروع هو المتابعة، فالتطويل قد يؤدي إلى أن المأموم يسبق الإمام في الخروج من الصلاة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(حذف السلام سنة)] يعني: تخفيفه وعدم مده طويلاً بحيث يمكث وقتاً أكثر وهو يسلم.
وبعدما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث ذكر كلاماً عن بعض أهل العلم في تركهم هذا الحديث ونهيهم عن رفعه، والمقصود بالشيء المتروك هو رفعه صراحة بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي تركه من تركه ونهى عنه من نهى عنه، أما إذا قال الصحابي كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [(حذف السلام سنة)] فيكون موقوفاً على أبي هريرة، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا قال: هذا سنة، أو هذا من السنة، فهو مرفوع، ولكنه مرفوع حكماً ليس تصريحاً؛ لأن المرفوع قسمان: مرفوع صراحة، ومرفوع حكماً، فالمرفوع صراحة أن يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فيضيف الكلام ويسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مباشرة من قوله أو فعله.
والمرفوع حكماً مثل قول الصحابي: من السنة كذا، أو هذا سنة، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وغيرها من الألفاظ التي لها حكم الرفع وإن كانت غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن التعبير بالسنة له حكم الرفع، وكذلك الأحاديث التي تأتي عن الصحابة وفيها إخبار عن عقوبة محددة أو وعيد بجنة أو نار أو ما إلى ذلك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل نفسه ولا من قبل رأيه، ولا يأتي بذلك إلا بتوقيف؛ لأن هذه أمور غيبية، والغيب لا يعرف إلا عن طريق عالم الغيب والشهادة حيث يوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء من الغيب، فيخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيتلقونه عنه، وأحياناً لا يضيف الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وإنما يأتي بكلام يدل على ذلك، مثل الأحاديث التي مرت بنا وفيها: (فإن هذه قعدة المغضوب عليهم) (إن هذا فعل الذين يعذبون)، وما إلى ذلك؛ لأن هذه أمور لها حكم الرفع.
إذاً هذا هو معنى قول من نهى عن رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النهي أو هذا الترك لا ينفي أن يكون مرفوعاً؛ لأنه مرفوع حكماً، كما مر عن ابن عباس أنه سئل عن الجلوس بين السجدتين على العقبين قال: (تلك السنة، فقيل له: إننا نراه جفاء في الرجل، قال: تلك سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم).
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين -يعني قصر- وإذا صلى خلف إمام يتم أتم؟! قال: تلك السنة).