قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بفضل وضوء المرأة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء بفضل وضوء المرأة]، يعني: أن المرأة إذا توضأت من إناء وبقي فيه شيء فإن لغيرها أن يتوضأ بهذا الباقي، وقد أورد أبو داود عدة أحاديث، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن ميمونة رضي الله عنها توضأت من جفنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتوضأ منها فقالت: إنها كانت جنباً فقال: (إن الماء لا يجنب)، وقد سبق أن ترجم المصنف بهذا الخصوص، وهي دالة على هذه الترجمة؛ لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل بقية الماء الذي توضأت منه، ولما أخبرته بأنها كانت جنباً وقد استعملته فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الماء لا يجنب) يعني: أن كونها أدخلت يدها فيه وهي جنب لا يؤثر فيه جنابة؛ لأن الجنابة وصف لمن حصلت له وهو الرجل أو المرأة الذي تحصل له جنابة، فوضع اليد في الإناء وفيه ماء لا يؤثر فيه ولا يغير طهوريته، بل هو باقٍ على طهوريته، ولهذا استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، فالترجمة دلت عليها أحاديث، ومن ذلك ما سبق أن مر في باب الماء لا يجنب، وهنا أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي ورسول صلى الله عليه وسلم وهما جنبان من إناء واحد.
قوله: [قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان)].
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه فضل وضوء المرأة: أنها كانت تغرف بيدها منه، ومعنى هذا: أنها قد استعملته، فاستعمال فضل وضوء المرأة عام سواء كان الرجل يغترف معها كما جاء في حديث عائشة هذا، أو أنها قد اغتسلت وانتهت من غسلها وجاء الرجل ليغتسل بما بقي منها، ويدل عليه الحديث الذي مر عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ميمونة أن النبي أراد أن يتوضأ بالماء الذي بقي من اغتسالها، فقالت له: إنها كانت جنباً، فقال: (إن الماء لا يجنب)، فدل هذا الحديث وذاك على أن ما تمسه المرأة بيدها وتغترف منه للاغتسال من الجنابة أنه يجوز للرجل أن يستعمله، وسواء كان هو وإياها كما في حديث عائشة هذا، أو كانت انتهت ولم يكن معها الرجل ثم جاء بعدما فرغت ليستعمل الذي بقي، كل ذلك فضل وضوء أو فضل اغتسال يجوز استعماله؛ لأن الحديثين دالان على هذا وهذا، سواء كانت المرأة تغترف معه فيعتبر من فضل استعمالها، أو كانت هي تغترف وحدها والرجل ليس معها ثم جاء بعد ليستعمل الماء الباقي، كل هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقولها: (من إناء واحد) يعني: نغترف منه، فهو يضع يده وهي تضع يدها، هو يغرف وهي تغرف.
وقولها: (ونحن جنبان) يعني: أن كلاً منا جنباً.
يعني: كنا نغتسل من الجنابة، وكل منا يرفع الحدث الأكبر، و (جنبان) فيها لغتان: قيل: إنها تثنى فيقال: (جنبان) كما هنا، وقيل: تأتي على لفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع، فيقال: رجلان جنب ورجال جنب ورجل جنب.