قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة رضي الله عنها فوجدتها تصلي، فأشارت إليَّ أن ضعيها، فجاءت هرة فأكلت منها، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم.
وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها جيء إليها بهريسة -وهي طعام- في إناء وكانت تصلي، فأشارت للتي أتت به أن تضعه، وهذا يدل على أن المصلي إذا احتاج إلى إشارة وهو في صلاته أن ذلك لا بأس به؛ لأنها أشارت إليها وهي في الصلاة أن تضعها، وأيضاً قد جاء في الحديث في قصة الكسوف، وأنه لما جاء شخص والناس يصلون فأشارت برأسها إلى السماء يعني: أن هناك كسوفاً، وكان الشخص الذي جاء لا يعرف ما الذي حصل، فإشارة المصلي عند الحاجة لا بأس بها.
قوله: (فأشارت إليَّ أن ضعيها).
هذه حكاية عن مضمون ومقتضى الإشارة، وقد فهمت ذلك إشارة لا كلاماً؛ لأن الذي في الصلاة لا يتكلم، لكنه يمكن أن يشير عند الحاجة.
(فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة).
وفي الحديث أن الأمر لا يختص بالماء، بل حتى المأكولات، وفيه: استعمال فضل الهرة سواء كان طعاماً أو ماءً؛ لأن فعل عائشة يتعلق بالطعام، وما أسندته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق بالماء؛ لأنه توضأ بفضل وضوئها، فكل هذا يدل على طهارة سؤرها سواء كان مأكولاً أو مشروباً.
قوله: [فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها)].
وهذا أيضاً فيه ما في حديث أبي قتادة المتقدم من جهة أن ما يفعله الإنسان ويستغربه بعض الناس فإنه يذكر الدليل على ذلك، وعائشة رضي الله عنها لما أكلت من حيث أكلت الهرة أخبرت بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن الهرة: أنها من الطوافين والطوافات، وكذلك أنها رأته يتوضأ بفضل سؤرها.