شرح تشهد ابن مسعود مع زيادة الدعاء

قال المصنف رحمه الله: [باب التشهد: حدثنا تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف - عن شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم فذكر نحوه.

قال شريك: وحدثنا جامع -يعني: ابن شداد - عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه بمثله قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: (اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها، وأتمها علينا)].

مر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الطريق الأولى التي فيها أنهم كانوا يقولون: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وقد مر الكلام عليه، وبيان ما يتعلق به من أحكام.

ثم أورد أبو داود رحمه الله طريقاً أخرى لهذا الحديث، وأحال على الحديث المتقدم فقال: [عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم فذكر نحوه]، أي: كنا لا ندري ما نقول في الصلاة من الدعاء والذكر في التشهد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم.

قوله: [فذكر نحوه] أي نحو متن الحديث المتقدم، والمعنى وجود اتفاق في المعنى مع اختلاف في بعض الألفاظ.

وقوله: [وكان رسول الله صلى لله عليه وسلم قد علم]، أي: علمه الله عز وجل، وهذا يدل على أن سنة رسول الله صلى لله عليه وسلم وحي من الله تعالى، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4] فما يأتي به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو من ربه سبحانه وتعالى، سواء كان قرآناً أو سنة، إلا أن القرآن يتعبد بتلاوته والعمل به، والسنة يتعبد بالعمل بها، فالقرآن والسنة يتعبد بالعمل بهما ولا يفرق بينهما، ومن لا يعمل بالسنة لا يعمل بالقرآن، ومن يلتزم بالسنة فهو ملتزم بالقرآن؛ لأن السنة شارحة للقرآن ومفسرة له، ودالة عليه، ومبينة لما أجمل فيه.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن السنة إنما هي من الله؛ فمن ذلك حديث أنس في فرائض الصدقة، حيث قال أبو بكر: (هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله على رسوله)، ثم ذكر التفاصيل التي جاءت فيها، أي: أن ما جاء في السنة إنما هو من الله.

وكذلك الحديث الذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل شيء)، ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)، يعني نزل جبريل باستثناء الدين، فهذا يوضح أن السنة وحي من الله سبحانه وتعالى.

وقوله: [فذكر نحوه] أي نحو حديث عبد الله بن مسعود المتقدم في الطريق الأولى المشتملة على التشهد المشهور المعروف الذي قال به أكثر العلماء، وقدموه على غيره، وقد عرفنا أن كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيغ التشهد فإن الأخذ به حق وصحيح، وللإنسان أن يأتي بهذا أو بهذا، ولكن لا يجمع بينها بأن يأتي بصيغة التشهد التي رواها ابن مسعود، وصيغة التشهد التي رواها ابن عباس، وصيغة التشهد التي رواها ابن عمر، وصيغة التشهد التي رواها أبو موسى، وصيغة التشهد التي رواها عمر، وإنما يأتي بصيغة واحدة، ولكن كل صيغة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الأخذ بها أخذ بالحق، وسبق أن ذكرت أن هذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع وليس من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن هذه أنوع للحق، فالذي أخذ بتشهد ابن مسعود قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد ابن عباس قد أصاب، والذي يأخذ بتشهد فلان أو فلان مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب.

ثم بعد ذلك ذكر الطريق الأخرى التي عن شريك والتي فيها ما تقدم إلا أن فيها زيادة دعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياه، ولكن لم يكن يعلمهموه كما يعلمهم التشهد، أي أن الاهتمام والعناية به أخف وأقل من عنايته بالتشهد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015