قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلاة القاعد.
حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال -يعني ابن يساف - عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسي فقلت فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب صلاة القاعد، وهي إما أن تكون في فرض وإما أن تكون في نفل، فالفرض لا يجوز للإنسان أن يصليه قاعداً إلا إذا عجز عن القيام: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وإذا لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه وهو نائم على فراشه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وسيأتي حديث عمران بن الحصين في ذلك.
وإذا صلى المريض جالساً وهو لا يستطيع أن يصلي قائماً فإن أجره لا ينقص عن حال صحته وعافيته؛ لأنه لم يصل جالساً إلا بسبب المرض والعذر الذي أقعده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم).
والحديث أورده البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، وهو حديث واضح الدلالة على أن المريض الذي يصلي الفرض قاعداً له الأجر كاملاً.
أما بالنسبة للنافلة فإذا كان الإنسان يصلي النافلة وهو عاجز فله الأجر كاملاً، أما إذا كان يصلي النافلة وهو قادر على أن يقوم فإنه يجوز له ذلك، ولكن أجره على النصف من أجر القائم، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا الذي أورده أبو داود في سننه قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) يعني: له نصف الأجر، وهذا إنما هو في النافلة.
وقوله: [حُدثت].
إذا قالب: الصحابي (حدثت) فالذي يحدثه بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسل صحابي، وهو أن يروي الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه، ومراسيل الصحابة حجة.
وقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي قاعداً، فوضع يده على رأسه متعجباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأجر الكامل وله الأجر العظيم، فكيف يصلي جالساً مع أن أجر من يصلي جالساً على النصف من أجر الذي يصلي قائماً، فقال: (مالك يا عبد الله بن عمرو) أي: مالك وضعت يدك على رأسك للتعجب؟ فقال: إني حُدثت أنك قلت كذا، وإني رأيتك تصلي قاعداً، قال: (نعم، ولكني لست كأحد منكم) فهذا يدلنا على أن من قدر على القيام وصلى جالساً في النوافل فإن صلاته صحيحة وله أجر نصف القائم في الصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له الأجر كاملاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.