لما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالناس وفرغ من صلاته قال لـ أبي بكر: (ما منعك أن تثبت في مكانك إذ أمرتك) هذا أمر بالإشارة وليس بالكلام، فهو يفيد بأن إشارة المصلي في صلاته معتبرة، وأنها تقوم مقام القول، ومثل ذلك الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم، فإن إشارته المفهمة الدالة على مقصوده تكون معتبرة، فتقوم مقام الكلام، وكذلك من لا يحل له الكلام كمن يكون في صلاة، فإن الإشارة تقوم مقام الكلام.
وفيه دليل على أن الإنسان إذا احتاج إلى الالتفات لأمر لا بد منه، فإن له أن يلتفت بلي عنقه دون أن ينصرف عن القبلة.
قوله: (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـ ابن أبي قحافة)، معناه أنه فهم أنه ليس هناك أحد أن يتقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأمر ليس لازماً.
ولما فرغ أبو بكر من الكلام وقال: (ما كان لـ أبي بكر)، سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، ولم يقل كان لازماً عليك أن تفعل كذا وكذا، فدل هذا على أن فعل أبي بكر حسن، وأن هذا هو اللائق بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان أبو بكر في أول الصلاة.
قوله: (ما لي أراكم أكثرتم من التصفيح)، هو بالحاء، وهو بمعنى التصفيق؛ لأن التصفيق والتفصيح بمعنى واحد، فهو يأتي بالحاء ويأتي بالقاف، ومنهم من فرق بينهما بأن التصفيق هو ما يكون بضرب باطن اليد ببطن اليد، والتصفيح ما كان ببطن اليد على ظهر الأخرى، ولكن قد جاء في الحديث الذي مر ذكر التصفيق، فدل هذا على أن التصفيق والتصفيح بمعنى واحد.
قوله: (من نابه شيء في صلاته فليسبح) معناه أن المشروع بدل التصفيق أن يكون هناك التسبيح، ويكون هذا في حق الرجال، وأما النساء، فهن صاحبات التصفيح أو التصفيق.