قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله عز وجل)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة وقام معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله) يعني: تحجرت رحمة الله حيث جعلتها خاصة بي وبك مع أنها وسعت كل شيء، فكيف تطلب أن تكون لي ولك وألا يشرك معنا أحداً في ذلك! فهذا من الاعتداء في الدعاء، وهذا مما لا يجوز في الدعاء، فإذا قال الإنسان: اللهم ارحمني وارحم فلاناً! فهذا مستقيم، لكن أن يقول: ولا ترحم معنا أحداً، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156].
وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا حصل منه شيء من الدعاء الذي لا يجوز أن صلاته لا تبطل بذلك، ولا يكون ذلك مؤثراً في صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعيد صلاته، ويشبه هذا الذي قاله الأعرابي ما جاء في كتاب (دلائل الخيرات) في بعض الأدعية، حيث يقول صاحب (دلائل الخيرات): اللهم! ارحم محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم! صلِّ على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء، اللهم! بارك على محمد حتى لا يبقى من البركة شيء، اللهم! سلم على محمد حتى لا يبقى من السلام شيء.
فهذا كلام باطل، وهو يشبه كلام الأعرابي هذا الذي أنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدعية المنكرة التي اشتمل عليها كتاب (دلائل الخيرات) الذي افتتن به كثير من الناس في كثير من البلاد، بل إنهم يحفظون ما فيه ولا يحفظون الأدعية التي في صحيحي البخاري ومسلم، وهي كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهم يحفظون ويعتنون بشيء فيه غلو وجفاء ويتركون كلاماً في غاية الصفاء والحسن والجمال والكمال، كيف لا وهو كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.