قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن) وجاء أنه كان يقول ذلك بعد ما أنزلت عليه سورة النصر، ما صلى صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) أي: ينفذ ما أمر به في القرآن؛ لأن قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر:3] تنفيذه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وقوله: (اللهم اغفر لي) تنفيذ لقوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3].
ولهذا يأتي التأويل بمعنى التنفيذ، وبمعنى حقيقة الشيء.
وهذا الحديث يدل على أن الركوع يجمع فيه بين الذكر والدعاء، وكذلك السجود، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) فينبغي أن يكون الغالب في السجود أدعية، وغالب ما يكون في الركوع أذكار وتعظيم وثناء لله سبحانه وتعالى.
وقوله: [(يتأول القرآن)] المقصود به سورة النصر وما فيها من أوامر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والاستغفار، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفذ هذا، فهو ما صلى صلاة منذ أن أنزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) وهذا هو معنى قول عائشة رضي الله عنها في الحديث الآخر: (كان خلقه القرآن) يعني: يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ويتأدب بالآداب الموجودة في القرآن، فخلقه مبني على القرآن وتابع للقرآن.
ومعنى قوله: [(يتأول القرآن)] فلفظ (القرآن) هنا المراد به إطلاق الكل وإرادة الجزء، يعني: يتأول ما جاء في القرآن من الأمر بالتسبيح والاستغفار.