قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن رجلاً دخل المسجد فذكر نحوه، قال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه- ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته)].
قوله: [(لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه)].
معناه أنه يتوضأ كما أمره الله عز وجل، بأن يغسل وجهه، ثم اليدين والمرفقين، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، حيث إنه لابد من الوضوء.
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمن شروط الصلاة أن يسبقها بالطهارة، والأمر بالصلاة هو أمر بالطهارة؛ للقاعدة المشهورة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فمن الأمور التي لابد منها عند الصلاة أن يتطهر إما بالماء أو بالتيمم عند عدم الماء أو عند العجز عن استعمال الماء، وعلى هذا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته في هذه الطريق الثانية التي أوردها أبو داود أنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ ويضع الوضوء في مواضعه، وذلك بأن يأتي به في الأماكن أو في الأعضاء التي بينها الله عز وجل في سورة المائدة، وهي غسل الوجه واليدين والمرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين.
قوله: [(ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه)].
أي: يأتي بتكبيرة الإحرام التي هي مفتاح الصلاة، والتي لا يكون الدخول في الصلاة إلا بها، وتسمى تكبيرة الإحرام لأنه يحرم على الإنسان بقولها والإتيان بها ما كان حلالاً له قبلها، فالتكبير في الصلاة للإحرام كالإحرام في الحج؛ لأنه قبل أن يحرم بالحج يحل له أمور، فإذا أحرم حرمت عليه، فإذا تحلل من الحج حلت له، وكذلك الإنسان قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام في الصلاة يحل له أمور، فإذا كبر حرمت عليه، كالأكل والشرب والالتفات والتكلم والذهاب والإياب، وما إلى ذلك من المباحات التي تحل له قبل أن يدخل في الصلاة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الصلاة: (تحريمها التكبير).
يعني أن الإنسان إذا كبر تكبيرة الإحرام حرمت عليه أمور كانت حلالاً له قبل ذلك.
وقوله: (وتحليلها التسليم) بمعنى أن الأمور التي كانت حرمت عليه بعد تكبيرة الإحرام قد حلت له بعد التسليم.
كذلك لابد من لفظ التكبير، فلا يكفي أن يعظم الله بأي لفظ آخر، كأن يقول: (الله أجل)، أو: (الله أعظم)، بل لابد من أن يقول: الله أكبر.
قوله: [(ويحمد الله عز وجل)].
المقصود بذلك الذكر الذي يكون بعد التكبير وقبل القراءة، وهو دعاء الاستفتاح، ودعاء الاستفتاح -كما هو معلوم- سنة، فلو لم يأت به المرء صحت صلاته.
[(ويقرأ بما تيسر من القرآن)].
وذلك بقراءة سورة الفاتحة إذا كان الإنسان عالماً بها، وإن لم يكن قد علم بها ولكنه يعرف شيئاً من القرآن، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف الفاتحة لكنه يعرف شيئاً من القرآن غيرها، فإنه ينتقل إلى قراءة شيء من القرآن غير الفاتحة، لكن يجب عليه أن يتعلم الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وإذا لم يستطع أن يتعلم شيئاً من ذلك فإنه يحمد الله ويهلله ويكبره كما سيأتي في حديث آخر من أحاديث هذا الباب، وكما سبق أن مر في قراءة الأعجمي والأعرابي أو من لا يحسن القراءة، فإنه يأتي بقوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهذا معنى قوله: (إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع)، كما سيأتي.
قوله: [(ثم يقول: الله أكبر)].
يعني: يكبر للركوع، ومن المعلوم أن قول (الله أكبر)، ليس من أركان الصلاة، وإنما هو من الواجبات، وعلى قول جمهور أهل العلم فإن التكبير من المستحبات إلا تكبيرة الإحرام، وأن الإنسان لو ترك بقية التكبيرات على قول جمهور العلماء فقد ترك أمراً مستحباً، وقال بعض العلماء: إنه واجب، لكن لا يعتبر من الأركان التي إذا تُركت تبطل الصلاة بتركها.
قوله: [(ثم يركع حتى تطمئن مفاصله)].
بمعنى أنه يطمئن بحيث يستقر في ركوعه، وتطمئن المفاصل بعد الهوي للركوع، بحيث يكون هناك استقرار، أما أن يهوي للركوع ثم يرتفع دون أن تستقر مفاصله فلا تصح صلاته، بل لابد من الاستقرار في الركوع والاطمئنان فيه، وهذا شيء لابد منه في الصلاة، والذي ينقر الصلاة نقراً ويهوي ثم يرفع بسرعة أو يسجد ثم يهوي بسرعة دون أن يستقر لا يقال: إنه قد ركع، ولا يقال: إنه سجد، بل لابد من الاطمئنان ولو شيئاً يسيراً جداً.
قوله: [(ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً)].
أي: يقول: (سمع الله لمن حمده)، عند الرفع من الركوع، حتى يستقر ويعتدل قائماً.
قوله: [(ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله)].
معناه أنه يطمئن في سجوده ويستقر فيه، بحيث تكون الحركة التي صدرت منه عند الهوي إلى السجود قد انتهت، وحصل الاستقرار والاطمئنان في السجود.
قوله: [(ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً)].
يعني: يفعل هذا بين السجدتين.
قوله: [(ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله)].
يعني: عندما يهوي للسجدة الثانية فإنه يسجد حتى تطمئن مفاصله كما حصل في السجدة الأولى.
قوله: [(ثم يرفع رأسه فيكبر)].
يعني: يكبر قائماً للركعة الثانية.
قوله: [(فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته)].
يعني: إذا فعل ذلك في جميع الركعات؛ لأنه بين ما يتعلق بالركعة الواحدة من الأفعال التي ينبغي تطبيقها في كل ركعة، فيفعل في كل الركعات كما فعل في الركعة الأولى من القراءة ومن الركوع والسجود.
وقوله: (الله أكبر) وقوله: (سمع الله لمن حمده) إلا الاستفتاح فإنه لا يكون إلا في الركعة الأولى عند الدخول في الصلاة بعد التكبير وقبل القراءة، كما سبق أن مر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في باب السكتات التي يسكتها الإمام قال أبو هريرة: (أرأيت في سكوتك -بأبي أنت وأمي يا رسول الله- بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي).