حكم قول (سيدنا) للنبي صلى الله عليه وسلم

قوله: [(رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم)] أي: نظرت وقدرت.

قوله: [وقال أبو كامل: رسول الله صلى الله عليه وسلم].

أي أن شيخي أبي داود أحدهما قال: (محمد عليه الصلاة والسلام) والثاني قال: (رسول الله) والفرق هو في التعبير فقط: بـ (محمد) و (الرسول)، هذا هو الفرق والنتيجة واحدة، لكن الكلام على الفرق في العبارة، وهذا يدلنا على دقة المحدثين ومحافظتهم على الألفاظ، حتى الشيء الذي لا يترتب عليه اختلاف في المعنى ينصون عليه، فأحد الشيخين في طريقه قال: [رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم]، والشيخ الثاني قال: [رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم] والفرق هو في التعبير بين (محمد) وبين (رسول الله) عليه الصلاة والسلام، بين اسمه وبين وصفه صلى الله عليه وسلم.

ويأتي في بعض الأسانيد أن أحد الرواة يقول: (النبي صلى الله عليه وسلم) والثاني يقول: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا فرق بين التعبير بالنبي والرسول فالنتيجة واحدة، ولكن هذا يدلنا على دقتهم وحرصهم على المحافظة على الألفاظ وعنايتهم الفائقة رحمة الله عليهم.

وهذا يبين لنا أنه لو كان هناك تعبير بلفظ (سيدنا) مع ذكر الرسول أو ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، لو كان موجوداً عند الصحابة لذكروه ونصوا عليه، فلو كان لفظ (سيدنا) سائغاً لما تركوه، وعلى هذا فهذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث يقولون في كل حديث منها: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا يقولون: (قال سيدنا رسول الله) وهو (سيدنا) لكن التعبير ما وجد، والسلف ما كانوا يفعلون ذلك، وهذا إنما وجد في الأزمنة المتأخرة ولا سيما عند كثير من الصوفية، فإنهم يقولون: سيدي، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يقولون ذلك، وإن كان هو سيدهم وسيد البشر وسيد الخلق أجمعين في الدنيا والآخرة عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر)، فهو سيدنا وسيد الخلق، وكون الإنسان لا يعبر بسيدنا ليس فيه جفاء، وليس فيه نقص؛ لأن هذه طريقة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فما كانوا يستعملون ذلك وما كانوا يقولونه، وهذه الأحاديث التي في البخاري ومسلم وكتب السنن وغيرها كلها فيها: (قال رسول الله) وليس فيها: (قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فالشاهد أنهم لما كانوا ينصون على أن هذا قال: (محمد صلى الله عليه وسلم) وهذا قال: (رسول الله صلى الله عليه وسلم) دل ذلك على أنه لو كان هناك شيء يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما تركونه، فهذا يدلنا على دقتهم، ويدلنا على أن هذا اللفظ الذي وجد في هذا الزمان عند كثير من الصوفية ومن يشابههم ويقلدهم من الأمور المحدثة التي ليست من هدي السلف ولا من طريقة السلف، مع اعتقاد أنه صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وسيد الناس أجمعين، لكن لم يكن خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين حين يذكرون اسمه يقولون: (سيدنا)، والذين لا يفعلون ذلك هم متبعون للصحابة وعلى طريقة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولو كان الصحابة يأتون بهذا ويحافظون عليه لوجب على غيرهم أن يحافظوا عليه كما حافظوا.

فالحاصل أن هذا التفريق بين العبارتين دال على عنايتهم، وأنهم كانوا لا يتركون شيئاً إلا ذكروه فيما يتعلق بالرواية حتى لو لم يختلف المعنى.

والغالب في الاستعمال أن يقال: (رسول الله عليه الصلاة والسلام) ويقال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم)، وذكره باسمه قليل، ويذكر بلقبه فيقال: (أبو القاسم صلى الله عليه وسلم)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في موضع جاء في الحديث قول الصحابي فيه: (أبو القاسم) فقال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وبوصف الرسالة أحسن، يعني أن يقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحسن من أن يقال: (أبو القاسم)، وهذا حسن وهذا حسن لكن هذا أحسن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015