قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام.
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله! قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟! قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال أبو داود: روى حديث ابن أكيمة هذا معمر ويونس وأسامة بن زيد عن الزهري على معنى مالك].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام]، والمقصود من هذا الإشارة إلى أن من العلماء من قال بأن المأموم لا يقرأ بفاتحة الكتاب في حال الجهر، وقد سبق أن ذكرت أن هناك ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يقرأ بفاتحة الكتاب في جميع الأحوال.
والقول الثاني: إنه لا يقرأ بها في جميع الأحوال، ولا يلزمه ذلك.
والقول الثالث: أنه يقرأ في السرية دون الجهرية، وهذه الترجمة هنا تدل على هذا القول.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي أحداً منكم آنفا؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله!)].
وهو مثل ما تقدم عن أبي هريرة، إلا إنه فيما مضى قال: (فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) وهنا قال: [(إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟)] فانتهى الناس حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن يمكن أن يحمل ما جاء هنا من الإطلاق على ما جاء عنه فيما تقدم من التقييد، فيكون المقصود من ذلك أن الانتهاء والامتناع إنما يكون في غير الفاتحة، وأما الفاتحة فإنه يقرأ بها، فهنا عندما قال: [(ما لي أنازع)] قال بعد ذلك: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فعلى هذا لا يكون في هذا الحديث دليل على أن الفاتحة لا تقرأ؛ لأنه قد ورد في الأحاديث ما يدل على استثناء الفاتحة، وأن المنع إنما هو فيما إذا كان المأموم يقرأ غير الفاتحة، فليس له أن يقرأ في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا).