قال المصنف رحمة الله عليه: [باب: من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب]، ثم أورد تحت هذه الترجمة الأحاديث التي جاء فيها الأمر بقراءة الفاتحة ولزومها وتعينها، وليس فيها ذكر تركها كما قد تشير إليه الترجمة، ولكن المراد بالترجمة -كما قال صاحب (عون المعبود) - حكم من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، ومعنى ذلك أن صلاته غير صحيحة، فقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيّن ولزوم قراءتها.
إذا: ً يكون معنى الترجمة: (باب حكم من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب) والحكم أن صلاته غير صحيحة؛ للأحاديث الكثيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة.
ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: [أمرنا] وقوله: [أمرنا] له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يقول مثل ذلك إلا إذا كان الآمر هو رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذه صورة لها حكم الرفع، أن يقول الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، أي أن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى.
فقول أبي سعيد: [أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر] يدل على أن قراءة فاتحة الكتاب وما تيسر مأمور بها ومطلوبة، فجمهور العلماء على أن قراءة الفاتحة واجبة في حق الإمام والمنفرد، وقال بعض أهل العلم: إن قراءة الفاتحة ليست متعينة ولا لازمة، بل المطلوب هو قراءة شيء من القرآن، سواء الفاتحة أو غير الفاتحة، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الأحاديث من الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن، وقالوا: الذي تيسر من القرآن يشمل الفاتحة وغير الفاتحة، وعلى هذا فلا تلزم الفاتحة، لكن جمهور أهل العلم على لزوم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وذلك لوجود الأحاديث الكثيرة فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على قراءتها.
وأما بالنسبة للمأموم إذا صلى وراء الإمام فهل يلزمه قراءة الفاتحة أو لا يلزمه ففي ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم: فمنهم من قال: إنه يقرأ بها في الصلوات السرية والجهرية.
والقول الثاني بعكس ذلك، وهو أن المأموم لا يلزمه القراءة وراء الإمام سواء في السرية أو الجهرية، ويستدلون على ذلك بحديث فيه ضعف وهو: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، ولو صح فإنه يكون محمولاً على غير الفاتحة، وأما الفاتحة فإن قراءتها لازمة وواجبة.
والقول الثالث يقول: إن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية دون الصلاة الجهرية، والقول الذي تدل عليه الأحاديث هو القول بوجوب القراءة خلف الإمام، سواء أكان في صلاة جهرية أم في صلاة سرية، وإذا تمكن من أن يأتي بها في سكتة الإمام إذا سكت في قراءته دعاء الاستفتاح، وإلا فإنه يقرأ بها والإمام يقرأ السورة؛ لأن قراءة الفاتحة مطلوبة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القراءة إلا بفاتحة الكتاب.