قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: قدر القراءة في المغرب.
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس: (أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1] فقالت: يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب قدر القراءة في المغرب]، وقد وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على قراءته فيها، فقرأ فيها من طوال المفصل مثل الطور، وقرأ فيها من أواسط المفصل مثل المرسلات، وقرأ فيها من قصار المفصل، وقرأ فيها -أيضاً- بسورة الأعراف، وهي من أطول سور القرآن، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم القراءة في المغرب على أوجه مختلفة، وكلها صحيحة، وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سنة.
ومما أورده أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع، وهي زوجة العباس بن عبد المطلب، وأم أولاده الذين أكبرهم الفضل رضي الله تعالى عن الجميع.
فكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقرأ سورة المرسلات، فقالت أمه: (إنك ذكرتني بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السورة، وذلك في آخر صلاة جهرية سمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بهذه السورة).
فدل هذا الحديث على مشروعية قراءة سورة المرسلات في صلاة المغرب كما جاء بذلك هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل -أيضاً- على أنها آخر قراءة سمعتها أم الفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأم الفضل هي التي روت الحديث الذي فيه: (أن الناس لما حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع كانوا يتساءلون: هل النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو مفطر؟ فأرادت أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم للناس على سبيل العموم حاله عليه الصلاة والسلام هل هو صائم أو مفطر، فقالت: أنا أدلكم على ذلك.
فأعطتهم قدحاً فيه لبن فقالت: ناولوه إياه، وكان على ناقته، فشرب منه والناس يرون، وهذا من فطنتها وذكائها رضي الله تعالى عنها وأرضاه).