قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في نقصان الصلاة.
حدثنا قتيبة بن سعيد عن بكر -يعني ابن مضر - عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن عبد الله بن عنمة المزني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي [باب ما جاء في نقصان الصلاة] يعني كون المصلي لا يأتي بها كما ينبغي فيترتب على ذلك نقصان الأجر، بحيث لا يحصل من أجرها إلا على الشيء اليسير؛ لأنه ما أتى بها على التمام والكمال، ثم أورد حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إن الرجل لينصرف من صلاته) وذكر الرجل هنا إنما هو لكون الخطاب مع الرجال في الغالب، وإلا فإن المرأة تكون كذلك أيضاً، والأصل هو تساوي الرجال والنساء في الأحكام حتى يأتي شيء يميز الرجال عن النساء أو النساء عن الرجال، فذكر الرجل هنا لا مفهوم له يدل على أن المرأة ليست كذلك، وإنما يأتي الحديث مع الرجال وذكر الرجال أو الرجل لأن الخطاب غالباً إنما يكون مع الرجال، وهذا في أحاديث كثيرة جداً، مثل حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، وكذلك المرأة إذا كانت تصوم صوماً فإنها تصوم هذا اليوم أو هذين اليومين، فذكر الرجل لا مفهوم له، فكذلك هنا [(إن الرجل لينصرف من صلاته -يعني: ينتهي منها وينصرف منها- وما كتب له إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسدها خمسها ربعها ثلثها نصفها)].
وهذا فيه أنهم متفاوتون، وأنهم ليسوا على حد سواء في الإتيان بالصلاة، ولا في الأجر الذي يترتب على الإتيان بالصلاة، فيكون التفاوت في العمل والتفاوت في الأجر، وهذا فيه تنبيه على الحث على الإقبال على الصلاة وعلى الإتيان بها على الوجه الأكمل حتى يحصل الكمال ويحصل الخير الكثير من وراء ذلك.
بل إنه قد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن الإنسان بسبب بعض الأعمال لا يكتب له شيء منها، وذلك في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ومعناه أنه لا يحصل له أجرها، فحرم أجرها بسبب هذا الذنب الذي اقترفه، فهو يصلي الصلاة ويأتي بها بأركانها وواجباتها وما هو مطلوب منها ولكن لا أجر له فيها، فقد حيل بينه وبين أجرها، وحرم أجرها وإن كان يعتبر قد أدى الصلاة، ولا يؤمر بالإعادة ولا يؤمر بقضاء تلك الصلوات، ولكنه حرم أجرها، وما كتب له شيء من أجرها عقوبة له على ذلك الذنب الذي اقترفه.