قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث.
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا عمر بن عبد الواحد وبشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث] يعني: للأمر الذي يطرأ ويقتضي التخفيف، فيخفف إذا كان يريد التطويل، أو حيث يكون من نيته أن يطول، ثم يحدث شيء يقتضي أن يخفف فيخفف، مثلما جاء في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه)].
وذلك لأن الطفل إذا صار يبكي في الصلاة وأمه تصلي مع الإمام فإنه يحصل لها تشويش، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخفف من أجل هذا البكاء الذي يسمعه من ذلك الصبي، وهذا يدلنا على أن النساء يحضرن المساجد ويصلين مع الرجال، وأنهن يحضرن أطفالهن معهن، وأنه إذا وجد أمر يقتضي التخفيف في الصلاة ممن يريد التطويل فإنه يخفف للأمر الذي طرأ، كما جاء في هذا الحديث، وكما حصل من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما طعن عمر وتقدم وصلى بالناس، فإنه قرأ (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) في صلاة الفجر، فخفف الصلاة لهذا الأمر الطارئ والمصيبة التي نزلت وحلت.
وكذلك جاء في الحديث الذي سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ب (المؤمنون) حتى جاء عند قصة موسى وهارون أو موسى وعيسى فأصابته سعلة فركع، فكان يريد أن يواصل، ولكن عندما طرأ هذا الشيء الذي حصل اختصر القراءة وقطعها وركع.
وفي حديث الباب بيان شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله عز وجل بذلك فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، فهذا من رحمته ورأفته بأمته؛ لأنه يدخل في الصلاة يريد أن يطول وإذا سمع بكاء الصبي خفف حتى لا يشق على أمه ويحصل لها تشويش ويحصل لها تأثر وهي تسمع طفلها يبكي ويصيح.
قوله: [(إني لأقوم إلى الصلاة وأن أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه)].
معنى (أتجوز): أخفف، يعني: أخفف القراءة كراهية أن أشق على أمه لو أطلت القراءة.
وقد يحصل للإمام عكس ما ذكر، حيث يكون يريد التخفيف فيعرض له أمر طارئ فيطيل، كما إذا ركع يريد التخفيف، ثم دخل أناس وهو راكع، فإنه يطيل ليدركوا الركعة.
وأنبه هنا على قول بعض الناس عند دخولهم والإمام راكع: (إن الله مع الصابرين) لكي يطيل الإمام، فلا يصح أن يقول المأموم هذا الكلام.
نعم الركعة الأولى هي أطول من الثانية، وذلك ليدرك الناس، ولو أراد أن يخفف ثم بدا له أن يطول لأمر طارئ فلا بأس بذلك.