Q قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين في منزلة السكينة: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة، قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة.
قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبة.
وقد جربت أنا -أيضاً- قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيماً في سكونه وطمأنينته.
قال ابن القيم: آيات السكينة في ستة مواضع في القرآن: الأول: قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:248]، وقوله: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:26]، وقوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40]، وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح:4]، وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18]، وقوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:26].
فهل قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب مما يرد عليه مشروع؟
صلى الله عليه وسلم لا أعلم شيئاً يدل على مشروعيته.
وقد يقال: هل قول ابن تيمية رحمه الله: اقرءوا آيات السكينة طلبٌ للاسترقاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: (لا يسترقون) فكيف سيكون ابن تيمية رحمه الله من الذين يطلبون الرقية من غيرهم؟
و صلى الله عليه وسلم والرقية -كما هو معلوم- بالقرآن كله مشروعة، ولكن التخصيص بأشياء معينة بأنها يرقى بها ولم يأت فيها نص في النفس منه شيء.
وما فعله ابن تيمية رحمه الله يمكن أن يكون اجتهاداً، ومثله بعض الأشياء التي ذكرها كالكتابة والمحو، حيث تكتب آيات من القرآن في كتاب ويمحى بالماء ويشرب، وما نعلم شيئاً يدل على ثبوته، فالأولى تركه، وإنما يؤتى بالرقية المشروعة، فـ ابن القيم وابن تيمية جاء عنهما الكتابة والمحو، والأولى ترك ذلك.