حكم سماع الأشرطة التي فيها ذكر الفتنة بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم

Q لو قال قائل: نحن نسمع هذه الأشرطة التي تتحدث عن تلك الفتنة من باب معرفة التاريخ فهل له وجه، أو يقال بالمنع؟

صلى الله عليه وسلم ليس للإنسان أن يسمع كل شيء، وإذا أراد أن يسمع فليسمع كلام أهل العدل وأهل الإنصاف وأهل العلم وأهل الفهم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر (العقيدة الواسطية): (وما قيل عن الصحابة أو أضيف إلى الصحابة فمنه ما هو كذب، ومنه ما هو ضعيف لا يثبت، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد وخطؤه مرفوض).

فهذا هو الكلام الجميل، فليس كل ما قيل يسلم به، إذ إن بعض الناس عندما يسمع الشيء ولو كان ليس له صحة يكون ذلك سبباً في كونه ينحاز عن شخص إلى شخص، أو يقع في قلبه شيء على شخص من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والواجب محبة الصحابة جميعاً وموالاتهم جميعاً والثناء عليهم جميعاً، مع معرفة أنهم متفاوتون في الفضل، لكن القدر المشترك هو أنهم يحبون ويتولون ويذكرون بالجميل اللائق بهم، ولا يذكرون إلا بالخير ولا يذكرون بسوء، هذا هو الواجب.

فالكلام الذي قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر (الواسطية) هو الكلام الذي عليه نور، والكلام الذي هو الحق، فما ذكر من أشياء أضيفت إليهم منه ما هو كذب، وبعض الناس لا يعرف الكذب، وإنما يسمع الكلام ثم يقع في نفسه بغض أو ميل عن شخص إلى شخص، ومن ذلك المذكور ما هو ضعيف، ومنه ما فيه زيادة، والصحيح منه هم فيه معذورون، ولهذا فمن عقائد أهل السنة والجماعة الكف عما شجر بين الصحابة، لكن إذا عرف الإنسان الحقيقة وعرف المنهج الصحيح فيمكن أنه يطلع ويترك الشيء الذي لم يثبت والذي ليس له قيمة، والذي يصح أن يعتذر فيه عن خير الأمة وأفضل هذه الأمة، فيلتمس لهم أحسن الأعذار ويخرج كلامهم على أحسن المخارج، ولا يجوز للإنسان أن يسمع كلاماً ثم يحصل في قلبه شيء على أحدهم، بل الواجب محبة الجميع، وموالاة الجميع، والترضي عن الجميع، وإحسان الظن بالجميع، وأن يذكر الجميع بالخير، ولا يذكرون بسوء.

وقد يقال: هل لا يصلح أن نعمل محاضرات عامة أو دروساً عامة فيما شجر بين الصحابة في أشرطة تسجل وتباع للعالم والجاهل وتنشر بين الناس؟ وأقول: العامة إذا سمعوا شيئاً فغالباً لا يعقلون ولا يفهمون ما يصح وما لا يصح وما ينبغي وما لا ينبغي، وأما أهل العلم فإنهم إذا عرفوا أو إذا كان عندهم قدرة على معرفة ما يصح وما لا يصح فإن الواحد منهم يتحاشى مما لا يصح، ويبقى الصحيح فيلتمس فيه الأعذار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015