قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يصلي وحده خلف الصف.
حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر، قالا: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد) قال سليمان بن حرب: الصلاة].
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب: الرجل يصلي وحده خلف الصف] يعني: ما حكم صلاته؟ أي أن ذلك لا يجوز، وصلاته غير صحيحة كما دل عليه هذا الحديث على خلاف بين أهل العلم في ذلك، لكن الحديث الذي أورده أبو داود دال على أن صلاته غير صحيحة؛ لأنه أمره بالإعادة، وما ذلك إلا لعدم إجزاء الصلاة، ولو كانت مجزئة لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
وقد اختلف أهل العلم في صلاة المنفرد خلف الصف: فمنهم من أجاز ذلك، وقال: إن حديث أبي بكرة الذي سيأتي دال على ذلك؛ لأنه ركع قبل الصف، فما دام أن بعض أجزاء الصلاة وقع وهو منفرد، وصح منه ذلك، فإن صلاته كلها تكون كذلك؛ لأن جزءاً من أجزائها قد اعتُبر مع وقوعه دون الصف، فتكون الصلاة كلها صحيحة ومعتبرة، قالوا: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة إنما هو من أجل الاستحباب، وذلك جمع بينه وبين حديث أبي بكرة.
وقال بعض أهل العلم: إن صلاته خلف الصف وحده لا تجوز، وإذا فعل ذلك فإن صلاته لا تصح، وعليه أن يعيدها؛ لظاهر الحديث.
وأما حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقالوا: إنه دبّ راكعاً وأدرك الركوع وراء الإمام في الصف، وعلى هذا فلم يحصل شيء مستقل في ركوعه دون الصف، ولكنه فعل ذلك خشية أن تفوته الركعة فركع ودب، فليس فيه ما يدل على أنه حصل الرفع من الركوع قبل أن يصل أبو بكرة رضي الله عنه إلى الصف.
وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يصلي خلف الصف، إلا إذا كان لا يستطيع أن يصلي إلا بهذه الطريقة، كأن يكون الناس الذين يصلون في هذا المسجد محصورين، وقد حضروا جميعهم، فلم يبق أحد حتى ينتظره، ولو لم يصل مع الجماعة فإنها تفوته، ولم يكن متأخراً عن الجماعة، بل جاء إليها، وإذا تيسر للإنسان أن يدخل ويصلي عن يمين الإمام فإن هذا يكون مناسباً؛ لأنه بذلك يكون صف بجوار الإمام، ولا بأس بذلك عند الحاجة إليه.
لكن لو كان الإنسان غير مفرط ولا مقصر، وصلى وحده مضطراً إلى ذلك فإن صلاته تصح والحالة هذه، أما إذا كان هناك تقصير أو تفريط، وصلى الإنسان وحده مع إمكانه أن يدخل في الصف فإن صلاته تكون حينئذٍ باطلة، وعليه الإعادة.