قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف كما يقوم القدح، حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره، فقال: لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)].
أورد المصنف رحمه الله حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف كما يسوي القدح، والقدح هو الخشب الذي يكون به النصل، وهو من وسائل الحرب، وتكون هذه القداح متساوية ومتصلاً بعضها ببعض، وليس فيها تقدم ولا تأخر، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف كهذه الهيئة.
فقد نبههم حتى ظن أنهم قد فهموا، فإذا برجل منتبذ صدره، يعني: قد بدا وخرج من بين الناس، فالصف متساوٍ إلا هذا الذي بدا صدره، فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لتسوُّن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم).
والمخالفة بين الوجوه قيل: تكون بالمخالفة بين القلوب والوجهات، وقيل: تكون تلك المخالفة والعقوبة من جنس الحديث الذي سبق أن مر: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار) يعني: أنه يعاقب فيجعل على هيئة غريبة تخالف ما عليه الناس، فتكون المخالفة في الوجوه إما بهذا، أو بالمخالفة بين القلوب والوجهات كما في الحديث المتقدم: (لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، فتكون المخالفة في الظاهر سبباً في اختلاف البواطن، وتفاوت القلوب وتنافرها وعدم استقامتها وتآلفها.