قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الحصير.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إني رجل ضخم -وكان ضخماً- لا أستطيع أن أصلي معك، وصنع له طعاماً ودعاه إلى بيته، فصلَّ حتى أراك كيف تصلي فأقتدي بك، فنضحوا له طرف حصير كان لهم، فقام فصلى ركعتين.
قال فلان بن الجارود لـ أنس بن مالك: أكان يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذٍ)].
أورد أبو داود رحمه الله باب الصلاة على الحصير.
والحصير هو: ما يتخذ من خوص النخل، وكل فراش صُنع من خوص النخل يقال له: حصير، والصلاة عليه سائغة، وكل شيءٍ طاهر يجوز استعماله فإنه تجوز الصلاة عليه، سواء كان من خوص النخل، أو من القماش، أو من الصوف، أو من القطن، أو من أي شيء.
وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله! إني رجل ضخم، لا أستطيع أن أصلي معك، وجاء في جملة اعتراضية: وكان ضخماً، أي: أن أنس بن مالك رضي الله عنه عندما حكى قول الرجل أخبر أنه كان ضخماً كما قال، أي: أنه يشق عليه المشي والحركة والذهاب إلى المسجد للصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب منه أن يأتي ويطعم عنده طعاماً، ويصلي حتى يراه فيصلي مثل صلاته، فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا له طرف حصير ونضحوه، أي: رشوه بالماء، ولعل الرش ليلين، فربما كان قاسياً، فإذا أصابه الماء لان وخف، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال فلان بن الجارود: قلت لـ أنس: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذٍ) أي: أنه لم يره صلى الضحى إلا يومئذٍ، وهذا إخبار من أنس رضي الله عنه عن علمه، وعن مشاهدته، وهذا لا ينفي أنه كان يصلي الضحى، فهي غالباً تكون في البيوت، وتكون خفية، ولا يطلع عليها كل أحد، فأخبر أنس عما شاهده وعاينه، فلم يره يصلي الضحى إلّا هذه المرة فقط.
وصلاة الضحى قد جاءت فيها أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما، ومنها: حديث أبي هريرة المتفق على صحته، قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وكذلك حديث أبي الدرداء في (صحيح مسلم) قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).
وكذلك الحديث الذي جاء في الصحيح، والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس فتعدل بين اثنين صدقة … وفي آخره قال: ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى)، يعني: هذه الصدقات التي تكون على الإنسان يحصل أداؤها بصلاة ركعتي الضحى.
وكذلك الحديث الآخر الذي في الصحيح لما سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن صلاة الأوابين قال: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: حين تشتد الرمضاء، وذلك في شدة حرارة الشمس في الضحى، ففي هذا الوقت حيث تتأثر أولاد البهائم من المشي عليها؛ لشدة حرارتها.
فكل هذه الأحاديث تدلنا على سنية صلاة الضحى وثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدل على فضيلتها.