قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في النعل.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني محمد بن عباد بن جعفر عن ابن سفيان عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)].
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم قالا: أخبرنا ابن جريج قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن المسيب العابدي وعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر موسى وعيسى - ابن عباد يشك أو اختلفوا- أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سعلة فحذف فركع، وعبد الله بن السائب حاضر لذلك)].
قوله: [باب الصلاة في النعل]، الصلاة في النعل سائغة، وقد جاءت فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك حيث لا يترتب عليه مضرة وأذى، كأن تكون الأماكن التي يصلى فيها مفروشة ونظيفة، فإن المشي عليها بالنعل يؤثر فيها، وتظهر آثار النعل على الفراش، فيكون في ذلك مضرة، وأما إذا كان المكان الذي يصلي فيه ترابياً، أو كان الإنسان في سفر؛ فله أن يصلي في النعال، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يبالغ في ذلك بحيث إنه يمشي بها على الفرش النظيفة وفي الأماكن النظيفة، أو يصلي فيها بالنعال فيكون في ذلك تأثير على تلك الأماكن، ومن المعلوم أن الناس في منازلهم وفي أماكن أخرى لا يدخلون بنعالهم في مجالسهم المفروشة، ولا يجلسون عليها بنعالهم، بل يخلعون النعال قبل الدخول، فكذلك بالنسبة للمساجد المفروشة لا تستعمل فيها النعال؛ حتى لا تؤثر فيها فيظهر عليها أثر المشي بالنعال، ويكون في ذلك توسيخ لها.
وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالنعال، وصلى بدون النعال، أي: صلى حافياً ومنتعلاً صلى الله عليه وسلم، فالحاصل أن السنة جاءت بالصلاة بالنعال، لكن لا يقال: إنه يصلى فيها على كل حال، ولا يقال: إنها تترك في كل حال، وإنما يصلى بها حيث لا يترتب على ذلك ضرر، ولا يصلى بها إذا ترتب على ذلك ضرر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)، وهذا ليس فيه دلالة على وضع النعال عن اليسار في الصلاة، ولكن فيه ذكر وضع النعال عن اليسار، وذلك حيث لا يكون في اليسار أحد، وأما إذا كان الإنسان في الصف، وكان عن يمينه وعن يساره آخرون فلا يجعل نعاله عن يساره، وإنما يجعلها بين رجليه، كما سيأتي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجعلها عن يساره حيث لا يكون عن يساره أحد.
فالحديث ليس فيه نص على الصلاة بالنعال، ولكن فيه دليل على الدخول بالنعال إلى المكان الذي يصلى فيه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل النعال عن يساره، ففيه بيان موضع النعل، وأنه يكون على اليسار، لكن هذا حيث يكون اليسار خالياً، وأما إن كان مشغولاً بالناس فإنه لا يجعلها عن يساره؛ لأنه سوف يؤذي بها جاره، ولكن يجعلها بين رجليه كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا.
والحديث الذي بعده ليس فيه ذكر النعال، وهما حديث واحد إلا أن أحدهما مختصر والآخر مطول، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين) أي: سورة: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) فلما وصل إلى قول الله عز وجل في قصة موسى وهارون: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} [المؤمنون:45]، أو موسى وعيسى وقد ذكرت قصة عيسى بعد موسى بقليل، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون:49 - 50]، فإما أنه وصل إلى ذكر موسى وهارون، أو إلى ذكر موسى وعيسى، والآيات متصل بعضها ببعض، فلما وصل إليها أصابته سعلة فترك المواصلة وركع، أي: أنه كان يريد أن يواصل، ولكن لما جاء السعال قطع المواصلة وحذف، أي: ترك الاستمرار في القراءة وركع صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وعبد الله بن السائب حاضر لذلك) أي: في هذه الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل فيها ما ذُكر.
وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا كان يقرأ في الصلاة ثم عرض له عارض يقتضي التخفيف أو الاقتصار على ما قد تمّ فإنه يقف ولا يواصل، وقد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما كان يريد التطويل في الصلاة فيسمع بكاء الصبي فيخفف؛ شفقة على أمه)، ومثل ذلك أيضاً ما إذا كان الإنسان يقرأ ولم يتقن القراءة، ولم يستطع أن يواصل فهنا يقف إذا التبس عليه القرآن، وليس عنده من يفتح عليه.
قوله: [ابن عباد يشك أو اختلفوا] أي: شك ابن عباد في كونه ذكر موسى وهارون، أو موسى وعيسى عليهم السلام.