قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: (استأذن علقمة والأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلْ)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفيه: أنه جاء إليه الأسود وعلقمة ودخلا عليه فصلى بهما وكان بينهما، يعني: أن الإمام صار بين المأمومَيْن؛ لأن ابن مسعود جعل واحداً عن يمينه والثاني عن شماله، وهذا يخالف ما تقدّم من الأحاديث التي فيها أن الجماعة إذا كانوا ثلاثة فيتقدمهم واحد منهم، والاثنان يكونان وراءه، حتى لو كان أحد الاثنين صبياً مميزاً فإنه يكون صفاً ويعتد به في الصف.
وهذا الذي في الحديث مخالف لما تقدم، لكن حمله العلماء على واحد من أمرين: الأول: إما أنه كان المكان ضيقاً، وليس هناك مجال لأن يتقدم الإمام ويتأخر المأمومون.
الثاني: أن ذلك مما كان أولاً ثم نُسخ، مثل: التطبيق الذي جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو كون الإنسان في ركوعه لا يجعل اليدين على الركبتين، وإنما يجمعهما ببعض ويجعلهما بين الفخذين، فهذا يُسمى التطبيق، وقد جاء فيه أحاديث صحيحة ولكنه منسوخ، فيحتمل أن يكون هذا مما أخذه أولاً ثم نسخ.
وعلى هذا لا يكون هناك مخالفة في صف الاثنين وراء الإمام، بل السنة هي أن الاثنين فأكثر يصفون وراء الإمام، وما جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على أن المكان ضيق، أو أن الذي أخذه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نسخ كما نُسخ التطبيق.