قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون: حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون].
وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: رجل تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً)، أي أنه يكون من عادته أنه يتخلف عن الصلاة ولا يأتي إلى المسجد إلا إذا فرغ الناس، فيأتي ليصلي وحده، ويمكن أن يكون ذلك إما كسلاً أو لكونه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، وكل هذا مذموم، فالدبار فسر بأنه يأتيها متأخراً ويكون ذلك من عادته، أما أن يحصل ذلك منه في بعض الأحيان فهذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر هو أن يكون من عادته أنه يتهاون في شأن الصلاة، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، بل يريد أن يصلي في المسجد وحده، بحيث لا يصلي وراء الإمام أو مع تلك الجماعة القائمة.
وقد ذكرنا فيما مضى أن وجود جماعة ثانية لا يجوز إذا كان المقصود منه عدم الصلاة مع الجماعة الأولى أو متابعة الجماعة الأولى، وأن المقصود هو الانفراد عنهم، وأما إذا كان ذلك ليس مقصوداً وإنما كان يريد أن يصلي في المسجد ولكنه فاتته الصلاة، وكان يريد ألا تفوته، فهذا يمكن أن يصلي معه غيره سواء كان عن طريق الصدقة بأن يصلى معه بعض من صلى، أو أن يكونوا اثنين فأكثر ويصلون جماعة ثانية، كل ذلك لا بأس به.
والحاصل: أن من يأتي الصلاة دباراً هو الذي من عادته أن يتأخر عن الصلاة بحيث يأتي بعدما يصلي الناس.
وقيل: إن المقصود بذلك الذي يأتيها في آخر وقتها ويؤخرها حتى يخرج وقتها، أو يؤخرها بحيث يكاد وقتها يخرج فيكون في ذلك تفريط.
وقوله: (ورجل اعتبد محرره) وفي بعض نسخ أبي داود: (محررة) وكلمة (محررة) ليس المقصود بها المرأة فقط، وإنما المقصود: النسمة أو النفس، فيشمل العبيد والإماء، الذكور والإناث.
وقوله: (محرره) الضمير يرجع إلى المعتق وليس تاء التأنيث، وإنما هو هاء الضمير مضاف ومضاف إليه، واعتباده محرره يكون بأن يعتقه ويكتم عتقه، أو يعتقه ثم ينكر عتقه، أو يعتقه ولكنه يتسلط عليه ويجبره بأن يخدمه ويستخدمه، فيكون في ذلك كله استعباد المحرر، بمعنى أنه يعتقه ويكتم عتقه، أو أنه أعتقه وأنكر أنه أعتقه، أو أنه استخدمه بالقوة والقهر والغلبة والقسر، وكل هذه أمور محرمة.
والحديث فيه من تكلم فيه، والشيخ الألباني قال: إنه ضعيف إلا الشطر الأول منه، وهو قوله: (من أم قوماً وهم له كارهون) ولكن لا شك أن هؤلاء كلهم مذمومون، سواء الذي اعتبد المحرر، أو الذي أتى الصلاة دباراً، أو الذي أمَّ قوماً وهم له كارهون.
وقوله: (لا يقبل الله صلاة) يعني: أنه لا تقبل له تلك الصلاة التي يصليها، بمعنى: أنه يحرم أجرها أو يحرم ثواب تلك الإمامة أو الجماعة التي صلاها، وهذا بالنسبة لمن صلى وأم الناس، وأما ذاك الذي أتى دباراً واعتبد محرره، فظاهره أنها لا تقبل، ولكن الحديث غير صحيح، ولا أدري ما وجه تصحيح القسم الأول منه، فيمكن أن يكون التصحيح لشواهد ولأمور أخرى خارجة عما جاء في الحديث، وإلا فإن الحديث طريقه واحدة، إلا أن القسم الأول يمكن أنه صحح لشيء من الشواهد والأمور الأخرى التي هي غير هذا الحديث، ولعل الألباني صححه من أجل هذا.