قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الاستنجاء بالماء.
حدثنا وهب بن بقية عن خالد -يعني الواسطي - عن خالد -يعني: الحذاء - عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ومعه غلام معه ميضأة وهو أصغرنا، فوضعها عند السدرة، فقضى حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: (باب في الاستنجاء بالماء)، والاستنجاء سبق أن ذكرنا أنه من النجو وهو القطع، وقيل له ذلك لأنه يقطع أثر الخارج من السبيلين، وقد ذكرنا أيضاً فيما مضى أن الاستنجاء يستعمل بالماء وبالحجارة، والاستطابة كذلك تأتي بالماء وبالحجارة، وأن الاستجمار خاص بالحجارة.
وهنا قال: الاستنجاء بالماء، قيل: لعل أبا داود رحمه الله أراد بذلك الرد على من كره أن يستنجى بالماء، قال: لأنه مطعوم فلا يباشر به الخارج، ولكن كما هو معلوم أن النجاسة عندما تزال إنما تزال بالماء، فهذا من جنسه، فكما أن النجاسة تزال بالماء فكذلك أيضاً أثر الخارج يزال بالماء ولا محذور في ذلك ولا مانع، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كلام لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والاستنجاء كما عرفنا يكون بالماء ويكون بالحجارة، ويمكن الجمع بين الحجارة والماء فيما إذا كان هناك شيء له جسم فإنه ينبغي أن يستعمل في ذلك الحجارة، فإذا كان الإنسان في مكان خالٍ وعنده حجارة وعنده ماء وكان هناك شيء من أثر الخارج من الإنسان له جرم لا يناسب أن تمسه اليد فيزال أو يذهب بالحجارة، ثم بعد ذلك إذا لم يبق إلا الأثر الذي على الجلد يزال بالماء، لكن حيث يكون الجرم موجوداً فإنه يزال بشيء آخر غير اليد، وبعد ذلك يؤتى بالماء، ويكون قد جمع بين الحجارة والماء، فالجمع بينهما في مثل هذه الحالة لا بأس به، بل هو المناسب؛ لأن فيه عدم مباشرة اليد للجسم النجس، وكذلك تأتي بعد إزالته بالحجارة إزالة أثره الذي على جسد الإنسان.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ومعه غلام معه ميضأة، فوضعها عند السدرة)، يعني: عند شجرة من شجر السدر، (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وقد استنجى بالماء)، يعني: أنه استعمل الماء لإزالة أثر الخارج، وهذا نص صريح في استعمال الماء؛ لأنه قال: (قد استنجى بالماء) يعني: وضعه عند السدرة، والرسول صلى الله عليه وسلم استعمله وخرج إليهم عليه الصلاة والسلام وقد استنجى بالماء، يعني: قد استعمل هذا الماء الذي وضعه الغلام الصغير عند السدرة، وهذا نص واضح في استعمال الماء في الاستنجاء، ولا يقال: إنه وضوء؛ لأن الاستنجاء غير الوضوء، فالاستنجاء خاص بمحل الخارج، والوضوء إنما يكون على الأعضاء التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز، وهي: غسل الوجه -ومنه المضمضة والاستنشاق- وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، هذا هو الوضوء.
والحديث فيه دليل على جواز الخدمة في مثل ذلك، وأنه يتولاها الصغار أنسب من أن يتولاها الكبار، ولا بأس بأن يتولاها الكبار، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب معه كبار وصغار، لكن هذا الحديث الذي ذكره أنس قال: (غلام -أي: صغير- معه ميضأة) والميضأة هي: الوعاء الذي فيه الماء الذي يتوضأ به أو يتطهر به، ويكون صغيراً على قدر حاجة الوضوء، هذا هو الذي يقال له: ميضأة.