قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في ذلك.
حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل) قال يحيى: فقلت لـ عمرة: أمنعه نساء إسرائيل؟ قالت: نعم.
].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: فيما يتعلق بذهاب النساء إلى المساجد، ومعلوم أنه لا بد من الاحتياط في ذهاب النساء إلى المساجد، وأن يكن ملتزمات بآداب الإسلام، وأن يخرجن بالهيئة التي هي ليس فيها رائحة طيبة ولا لباس حسن، وألا يخالطن الرجال، وأن يكون دخول النساء من باب واحد وما إلى ذلك من الأمور التي جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتصاف النساء بها وهن خارجات إلى المسجد، لكن إذا حصل خروج عن هذه الآداب وعدم التزام بهذه الآداب فعند ذلك يسوغ المنع، وفي ذلك يكون التشديد في مسألة النساء وعدم تركهن يقدمن على شيء يحصل بسببه مضرة عليهن وعلى غيرهن.
أورد أبو داود رحمه الله أثر عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل) يعني: من الذهاب إلى المساجد، وقول عائشة رضي الله تعالى هذا سببه: أنها رأت من بعض النساء شيئاً من ذلك، ولا يعني أن كل النساء يكن كذلك.
وهذا الذي قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها محمول على من لهن حق المنع، أما من تخرج وهي تفلة ومحتشمة ومتأدبة وملتزمة بأحكام الإسلام فهذه هي التي جاء الإذن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول ما أذن لكل امرأة؛ ولهذا قال: (وليخرجن وهن تفلات) ولم يقل: النساء يخرجن كيف كن.
فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها رأت جانب الخلل الذي حصل من بعضهن فقالت: لو حصل كذا، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم شريعته مستمرة ودائمة، وأحكام هذه الشريعة دائمة مستمرة، ولكن بالتفصيل المعروف: فمن هي أهل للخروج تخرج، ومن ليست أهلاً للخروج تمنع؛ لأنها غير ملتزمة.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق ولم يمنع، ولكن جاء عنه تشريع وجاء عنه حكم فيه تفصيل، وهو الإذن في حق من تستحق الإذن، والمنع في حق من تستحق المنع.
وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ما قالته مبني في حق من تستحق المنع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنها تمنع، وذلك لوجود القيد الذي يدل على ذلك حيث قال: (وليخرجن وهن تفلات) فإذا خرجن متطيبات متجملات يفتن الناس، فعند ذلك يحصل منعهن.
وقوله: (قال يحيى: فقلت لـ عمرة: أمنعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم).
يحيى هو ابن سعيد الأنصاري وعمرة: هي لـ عمرة بنت عبد الرحمن.
وهذا الكلام مبني على أنه من عمرة وهي تابعية، ولكن الأثر جاء عن عائشة: (لمنعنه كما منعت نساء بني إسرائيل) ولكن يحيى بن سعيد سأل عمرة فقالت: نعم، وهي لم تقله من عندها، وإنما قالته عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.