قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال عن عبد الله بن أوس عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم.
لما ذكر في الترجمة السابقة فضل المشي إلى الصلاة مطلقاً، وكان في بعض الأحوال يوجد الظلام، وفي ذلك زيادة المضرة والمشقة، ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضل الذهاب إلى المسجد في شدة الظلام.
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (حفت الجنة بالمكارة) يعني: أن الطريق إلى الجنة فيه تعب وفيه نصب يحتاج إلى صبر؛ فالإنسان يحتاج إلى صبر على طاعة الله وصبر عن معاصي الله، فيجب الصبر على الطاعة ولو شقت على النفوس، ويحرص على أن يذهب إلى المساجد ولو في الظلام، ولو في شدة الحر، ولو في شدة البرد؛ لأن حصول المشقة وحصول النصب فيه زيادة في الأجر وفيه الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (بشر المشائين) أي: الذين يمشون إلى المساجد.
قوله: (في الظلم) يعني: في حال الظلام وفي شدة الظلام، وهذا إنما يكون في الفجر وفي العشاء؛ ولهذا جاء أن هاتين الصلاتين هما أثقل الصلاة على المنافقين، وفيهما ما فيهما من النصب؛ ولهذا فإن الذهاب إلى المساجد في شدة الظلام فيه هذا الثواب العظيم من الله عز وجل.
قوله: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) لأنهم مشوا في الظلام فيجازيهم الله عز وجل بأن يجعل لهم نوراً تاماً يوم القيامة يبصرون به ويمشون به، والجزاء من جنس العمل، وكما أن هذا فيه مشي في الظلام فإنه يقابله نور، وجزاؤه نور يحصل يوم القيامة، كما جاء في فضل الصيام أن الصائمين يدخلون من باب يقال له: الريان؛ لأنهم عطشوا أنفسهم؛ فجوزوا أن يدخلوا من باب يشعر بالري الذي هو ضد الظمأ.
فهؤلاء لما مشوا في الظلمات إلى المساجد، وحرصوا على الذهاب إلى المساجد في الظلمات يجازيهم الله عز وجل بأن يجعل لهم نوراً يمشون به يوم القيامة يضيء لهم جزاءاً وفاقاً، والجزاء من جنس العمل، فكما أنهم مشوا في الظلام فالله يعوضهم نوراً يستضيئون به يوم القيامة.