قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل صلاة الجماعة.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟، قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في فضل صلاة الجماعة] يعني: بيان عظيم فضلها وعظم أجرها وجزيل الثواب عليها، وقد بين بعض ما ورد من النصوص في بيان فضل الجماعة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا)، وهذا يدل على جواز مثل هذا العمل، وذكر أسماء في صلاة الصبح من أجل حث الناس على الحضور وكون الواحد منهم يحذر من التخلف حتى لا ينادى به حيث لا يكون موجوداً، فهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على جواز مثل ذلك، وهو موجود في بعض البلاد، حيث ينادون بعد صلاة الفجر بأسماء أناس كبار من أهل الحي، وفي ذلك تشجيع وحث على حضور الجماعة وعلى شهود الصلاة.
وقوله: [(إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين)] يعني صلاة الفجر والعشاء، وذلك أن هاتين الصلاتين تكتنفان الليل، فهذه في أوله وهذه في آخره، فالأولى التي هي العشاء تأتي بعد أن كدح الناس في أعمالهم في النهار وتعبوا وهم بحاجة إلى الراحة والنوم، ولهذا جاء أن النبي كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها؛ لأن النوم قبلها يؤدي إلى فوات العشاء، والثانية التي هي صلاة الفجر تأتي في الوقت الذي طاب فيه الفراش ولذ فيه النوم، ولهذا جاء في أذان الصبح قول (الصلاة خير من النوم) يعني: هذا الذي لذ وطاب لكم، وأنتم مطمئنون إليه ومرتاحون فيه ما تدعون إليه خير منه.
فهاتان الصلاتان أثقل الصلاة على المنافقين، وقوله: [(أثقل)] يعني أن الصلاة كلها ثقيلة عندهم، ولكن هاتين الصلاتين أثقل من غيرهما.
وقوله: [(ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب)] قد جاء في حديث أبي هريرة: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وجاء أيضاً أنه قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناًً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، أي: لو كان هناك لحم يوزع في المسجد لجاء من همه الدنيا وليس همه الآخرة إلى المسجد من أجل أن يحصل الأكل، ومن أجل أن يحصل الطعام.
قوله: [(ولو حبواً)] (حبواً) هنا خبر لكان المحذوفة هي واسمها؛ لأن (كان) أحياناً تحذف مع اسمها لدلالة المقام أو السياق على ذلك، والتقدير: ولو كان الإتيان إليهما حبواً.
فحذفت (كان) وحذف اسمها وبقي الخبر.
وقوله: (وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة) يعني أن الصف الأول له الفضيلة، والملائكة تصف عند الله عز وجل صفوفاً، فالصف الذي يكون من الملائكة أولاً مثله هذا الصف الذي يكون في المسجد، يعني أن هذا بالنسبة للملائكة والقرب من الله عز وجل، وهذا فيه الحث على المبادرة إلى الصف الأول وتحصيل الفضيلة فيه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضله كما في هذا الحديث، وجاء أيضاً: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه).
وقوله: [(ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه)] يعني: لبادرتم ولتنافستم ولأسرعتم إلى الوصول إليه من أجل الظفر به، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني أنه تميزهم القرعة لشدة حرصهم وكونهم وصلوا جميعاً وكل واحد يقول: أنا السابق.
وقوله: [(وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)] وهذا يدل على فضل الجماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على فضل الجماعة، بل وعلى فضل كثرة الجماعة، وأنه كلما كانت الجماعة أكثر فذلك أفضل وأعظم أجراً عند الله عز وجل.