قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يستأذن بالدق.
حدثنا مسدد حدثنا بشر عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه: (أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دين أبيه، فدققت الباب فقال: من هذا؟ قلت: أنا.
قال: أنا أنا.
كأنه كرهه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب الاستئذان بالدق، يعني: دق الباب وطرقه، وهذا يمكن أن يكون فيما إذا كان المكان بعيداً قد لا يصل إليه الصوت، والدق هو الذي يصل، وإلا فإن السلام هو الأولى، وإذا دق الباب فإنه يحصل به المقصود من جهة أنه صاحب المكان يتنبه فيأتي لمن طرق الباب.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع الطرق قال: من هذا؟ فقال جابر: أنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا أنا.
كأنه كره ذلك؛ لأن هذا لا تحصل به فائدة؛ لأن (أنا) لا يفيد التعيين؛ لأن كل واحد يصدق عليه أن يقول: أنا، ولكن كونه يعين نفسه إما باسمه أو بكنيته أو بنسبته أو ما إلى ذلك فهذا هو الذي يحصل به المقصود والفائدة، أما كونه يقول: أنا، فإن هذا ما حصل به المقصود؛ لأن (أنا) يمكن أن تكون مع المشاهدة والمقابلة.
وأما مع المشاهدة فيكفي (أنا) مثلما جاء في حديث أبي بكر الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه فيهم أبو بكر: (من منكم أصبح اليوم صائماً؟ فقال أبو بكر: أنا.
قال: من منكم عاد اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: من منكم شهد جنازة؟ قال أبو بكر: أنا) فكلمة (أنا) مع المشاهدة واضحة، وأما مع عدم المشاهدة وأن الإنسان من وراء الجدار أو من وراء الباب فلا يحصل بها المقصود، والإبهام لا يزال قائماً، وإنما الإيضاح والبيان يكون بذكر ما يعرف به الشخص من اسم أو كنية أو لقب.
وفي هذا دليل على أن الاستئذان يكون بالطرق أيضاً، ولكنه بالسلام أولى، ويمكن أن يكون بالطرق إذا كان المكان بعيداً وكان السلام لا يصل، وأن الطرق هو الذي يصل.