قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاع أقرع).
قال أبو داود: الأقرع: الذي ذهب شعر رأسه من السم].
أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه قال: (قلت: يا رسول الله من أبر؟) يعني: من أولى الناس ببري؟ أو من الذي أقدمه في البر؟ فقال: (أمك، ثم أمك، ثم أمك) يعني: ثلاث مرات، ثم قال: (ثم أباك).
وهذا يدل على عظم حق الوالدة وأنه أعظم من حق الأب؛ وذلك لأن الوالدة عانت من التعب ومن النصب ومن المشقة مالم يعانه الأب؛ لأنها هي التي حملت به، وهي التي تضررت وحصل لها الآلام عند حمله، وكذلك عند ولادته، وكذلك في السهر عليه وفي إرضاعه وفي تنظيفه وفي رعايته، وما يتعلق بذلك؛ لأنه دائماً معها بين يديها، والأب له إحسان إليه من جهة أنه يرعاه ويجلب الرزق له ولأمه، وكل منهما محسن للولد، ولكن الأم أشد وأعظم إحساناً؛ ولهذا كان حقها أعظم من حق الأب؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب) ومعنى ذلك: أنه يبدأ بالوالدين، والأم مقدمة على الوالد، وبعد ذلك الأقرب فالأقرب.
قوله: [(لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاع أقرع)].
أي: فضل ماله، والشجاع الأقرع: هو الحية التي ذهب شعر رأسها؛ لكثرة ما فيها من السم.
قوله: [(مولاه)] يدخل تحته المولى المعتق، وكذلك المولى الذي هو القريب؛ لأن هذا اللفظ يطلق على هذا وعلى هذا، كما قال الله عز وجل: (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} [الدخان:41].