قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه.
حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان حدثني سعد بن مالك رضي الله عنه قال: (سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) قال: فلقيت أبا بكرة رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم].
أورد أبو داود: [باباً في الرجل ينتمي إلى غير مواليه] وهنا ذكر الرجل لا مفهوم له؛ فإن المرأة مثله، ولكن غالباً ما تأتي الأحكام وفيها ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وإلا فإن النساء مثل الرجال في الأحكام، إلا إذا جاء شيء يدل على تخصيص النساء أو تخصيص الرجال في الحكم، فعند ذلك يميز بين الرجال والنساء في الأحكام.
إذاً: ما جاءت به الشريعة وليس فيه التفريق؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء فيه، فكون العلماء يذكرون في بعض الأبواب: باب في الرجل يفعل كذا وكذا، أو يأتي في الحديث نفسه ذكر الرجل في أمر من الأمور التي لا يختص بها الرجال؛ فإن الأمر لا يخص الرجال وإنما هو للرجال والنساء، ولكن ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وقد جاء في الأحاديث شيء من هذا مثل حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً) يعني: ومثله المرأة، وكذلك حديث: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك المرأة؛ فإن الأمر لا يختص بالرجال وإنما ذكر الرجال لأن الغالب أن الكلام معهم.
فإذاً: قول أبي داود: [باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه] المقصود أن الغالب أن الكلام مع الرجال، وإلا فإن المرأة مثل الرجل لو انتمت إلى غير مواليها أو انتسبت إلى غير أبيها، فإن الحكم واحد ولا فرق بين الرجال والنساء، وأن هذا من الأحكام الذي تشترك فيها الرجال والنساء.
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام).
أولاً: فيه عقوق لوالده؛ لأنه ترك الانتساب إليه.
ثانياً: فيه كذب؛ وذلك لأن انتسابه إلى شخص وهو ليس بأبيه يوهم أنه أبوه.
فكل هذه الأمور موجودة في مثل هذا العمل، ولهذا جاء فيه الوعيد الدال على أنه من الكبائر حيث قال: (فإن الجنة عليه حرام) وهذا من أحاديث الوعيد، وأحاديث الوعيد كما هو معلوم لا يعني أن صاحبها يكون كافراً، ولكنه أتى بأمر خطير وأتى بمعصية كبيرة يستحق عليها دخول النار وعدم دخول الجنة من أول وهلة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن العبد الذي حصل منه ارتكاب كبيرة فلا يدخل النار وإنما يدخل الجنة من أول وهلة، وقد يعذب في النار ويدخلها، ولكنه يخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ويكون من أهل الجنة.
فالحاصل أن هذا من الكبائر وأن فيه عقوقاً وفيه كذباً.
قوله: (سمعته أذناي)] فيه تأكيد سماع الحديث.
قوله: [(ووعاه قلبي)] فيه ما يدل على قوة الضبط، وعلى صحة الأخذ، وأنه تلقى ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أذنيه سمعتاه وأن قلبه وعاه، بحيث إنه لم يأخذه بواسطة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أخذه مباشرة، وأنه أتقنه وضبطه ولم يفته منه شيء.
وهذا مثل الكلام الذي قاله أبو شريح الخزاعي يخاطب عمرو بن سعيد الأشدق كما ثبت في الصحيحين، لما كان يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير قال: (ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي ورأته عيناي وهو يتكلم به)، كل هذه من الصيغ التي فيها التأكيد وفيها قوة الضبط للحديث الذي يحدث به.
وأبو بكرة أيضاً قال مثل ما قال سعد: (سمعته أذناي ووعاه قلبي) يعني: أن كلاً منهما أتى بهذه الصيغ التي فيها تثبيت السماع وتثبيت الحفظ وتحقق ذلك، وأنه ليس هناك واسطة وإنما تلقياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
قوله: [(من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)].
أما: إذا كان الإنسان قد اشتهر بشيء ثم ذكر فيما اشتهر به، فإن ذلك لا يؤثر مثل ما جاء عن المقداد بن الأسود، فإن الأسود ليس أباه وإنما اشتهر بالنسبة إليه؛ لأنه تبناه لما كان التبني سائغاً، وإلا فهو المقداد بن عمرو، وكذلك الشخص قد ينسب إلى أمه؛ لأنه اشتهر بذلك.