قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في رد الوسوسة.
حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة -يعني ابن عمار - قال: وحدثنا أبو زميل قال: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس:94]، الآية قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3])].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب في رد الوسوسة].
الوسوسة: هي ما ينقدح في الذهن من الخواطر غير الطيبة والتي فيها سوء، تتعلق بالله عز وجل، أو تتعلق بالأمور الغيبية أو تتعلق بالإيمان بالله عز وجل أو بالجنة والنار، وما إلى ذلك من الأمور التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ليشوش عليه، فعلى الإنسان أن يدفعها وأن يبتعد عنها وأن يستعيذ بالله من الشيطان وأن ينتهي منها، وأن يقول: آمنا بالله، كما جاء في بعض الأحاديث: (أن الشيطان لا يزال مع العبد يقول: من خلق كذا، من خلق كذا حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فليقل: آمنا بالله).
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أبا زميل سأله وقال: (ما شيء أجده في صدري؟ قال: وما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به)، يعني: أنه يستعظم أن يتكلم بما انقدح في ذهنه من هواجس وأفكار ويصعب عليه أن ينطق بها، ولكن الشيطان يهجم بها على قلبه وهو يدافعها ويكرهها ويحب أن يتخلص منها.
والوسوسة من الشيطان، فهو الذي يوسوس بمثل هذه الأمور، والإنسان إذا دفعها واستعظم أن ينطق بها وتعوذ بالله عز وجل منها، فإن هذا يدل على قوة إيمانه، وعليه أن يستعيذ بالله عز وجل من الشيطان، وأن ينتهي من تلك الأمور التي انقدحت في ذهنه ويعرض عنها، وينشغل عنها ولا يتبع بعضها بعضاً ويلحق بعضها بعضاً، وإنما يتخلص منها بصرف نفسه عنها وبالتعوذ بالله من الشيطان الذي هو سبب في الإتيان بها إلى قلب الإنسان وذهنه.
قوله: [(ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به)].
يعني: يقول: أنا أجد في صدري شيئاً لا أطيق أن أتكلم به؛ لأنه شيء قبيح، وظنون تحصل من الشيطان يشوش بها على الإنسان ويلقيها عليه، وهو يردها ويدفعها ويكرهها ويبغضها، فكون الإنسان يعرض عن الوسوسة ويذكر الله عز وجل ويتعوذ بالله من الشيطان، بهذا ترد الوسوسة وتدفع ويتخلص منها.
قوله: [(قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك)] أي: ابن عباس ضحك؛ لأنه فهم أنها شكوك وأفكار وأوهام يلقيها الشيطان عليه.
قوله: [(قال: ما نجا من ذلك أحد قال: حتى أنزل الله عز وجل: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس:94])].
المقصود من ذلك أن الناس لا يسلمون من الشيطان، وقد أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، والرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء عن ابن عباس وغيره لم يشك ولم يسأل، ولكن المقصود من ذلك غيره من الذين يمكن أن يلقي الشيطان في قلوبهم شيئاً من الشك، فهؤلاء عليهم أن يعلموا أن الأمم السابقة نزل في كتبها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعثته ونبوته وكذلك الكتاب الذي جاء به، بل أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم جاء ذكر صفاتهم في التوراة والإنجيل، كما في آخر آية من سورة الفتح: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح:29].
ثم قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح:29]، فهذا موجود في الكتب السابقة فيما يتعلق بالصحابة، وكذلك ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر القرآن في الكتب السابقة، وأهل العلم بها كـ عبد الله بن سلام وغيره يعلمون ذلك.
قوله: [(قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)) [الحديد:3])].
يعني: هذا الذي ينقدح في الذهن عن الله عز وجل ويلقيه الشيطان، يدفع بهذه الأسماء لله عز وجل: الأول والآخر والظاهر والباطن، أو كما في اللفظ الآخر: فليقل آمنا بالله، أو آمنت بالله.